تتصاعد في إيران خلال الأشهر الأخيرة موجات الاحتجاجات الشعبية لأسباب مختلفة، وبين فئات متنوعة، لكنها تصب في ارتباطها بالظروف الاقتصادية القاسية، وموجهة ضد النظام الإيراني بأكمله. وهي دائماً ما ترتبط بملف حقوق الإنسان في البلد الذي يزخر بالانتهاكات، كما ترتبط بالعقوبات الأميركية في هذا السياق.
وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات الأميركية فيما يخص ملف حقوق الإنسان غير مرتبطة بالاتفاق النووي، بالتالي تستمر حتى في حال إحياء الأخير مرة أخرى.
آخر التقارير ضد إيران في ملف حقوق الإنسان، كانت إشارة “هيومن رايتس ووتش” إلى اعتقال السلطات الإيرانية عدة نشطاء باتهامات وسط إضرابات نقابية واحتجاجات مستمرة إثر ارتفاع الأسعار منذ 6 مايو (أيار) 2022 في عدة مدن.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كانت هناك احتجاجات واسعة النطاق بمطالب اقتصادية، وتزايدت الاحتجاجات والإضرابات التي نظمتها النقابات الكبرى في البلاد استجابةً لتدهور مستويات المعيشة، وعادةً ترد قوات الأمن على هذه الاحتجاجات بالقوة المفرطة، بما يُفضي أحياناً إلى وقوع قتلى، واعتقال آلاف المتظاهرين، فضلاً عن استخدام الملاحقة والسجن بناءً على تهم غير مشروعة كأداة رئيسة لإسكات المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولم تُبدِ السلطات أي استعداد للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت تحت سيطرتها.
ومنذ بدء الاحتجاجات في 6 مايو، عرقلت الحكومة بشدة الوصول إلى الإنترنت في عدة مقاطعات، ويظهر عدد من مقاطع الفيديو التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت استخدام الغاز المسيل للدموع.
وفي هذا الإطار كانت العقوبات على إيران في ملف حقوق الإنسان إحدى الأدوات التي سعت الإدارات الأميركية إلى توظيفها للضغط عليها. وقد سنّت واشنطن عدة قوانين تستهدف إما توسيع نطاق وحرية استخدام الإنترنت، أو فرض عقوبات على الشركات التي تبيع لطهران أدوات تمكنها من التضييق على المواطنين في استخدام الإنترنت، أو بيع الأسلحة التي تستخدمها الجهات الأمنية في قمع التظاهرات.
وسعت سياسة الولايات المتحدة وتشريعاتها منذ الانتفاضة الإيرانية المتعلقة بالانتخابات في 12 يونيو (حزيران) 2009 إلى دعم قدرة المعارضة الداخلية في إيران على التواصل ومعاقبة المسؤولين والمؤسسات، مثل “الحرس الثوري” الإيراني، لضلوعهم في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، كما سعت لمعاقبة الأفراد وبعض الكيانات بموجب الأوامر والأحكام التنفيذية التي تحظر منح التأشيرات لدخول الولايات المتحدة، ومن ذلك أحكام القانون CISADA، المادة 106، والتي تنص على، “حظر حكومة الولايات المتحدة التعامل مع الشركات الأجنبية التي تبيع لإيران التكنولوجيا التي يمكن أن تستخدمها في المراقبة أو التحكم في استخدام الإنترنت”، وبناءً على ذلك تم توجيه أحكام ضد “نوكيا” (فنلندا)، و”سيمنز” (ألمانيا)، لبيعهما أدوات مراقبة الإنترنت والتكنولوجيا لإيران في عام 2008.
كما احتوى قانون VOICE، الذي يتعامل مع ضحايا الرقابة الإيرانية على أحكام تنص على “معرفة الشركات التي تبيع لطهران المعدات التكنولوجية التي يمكنها من خلالها التحكم في استخدام الإيرانيين للإنترنت”.
كما حظرت بعض القوانين دخول الولايات المتحدة، وحظر أي تجارة أميركية مع الأشخاص والكيانات التي يثبت أنها تقوم بتشغيل التكنولوجيا التي تسمح للحكومة الإيرانية أو السورية بتعطيل أو مراقبة أو تتبع استخدام الكمبيوتر من قبل مواطني تلك الدول أو مساعدتهما الدولتين في هذه الاضطرابات أو المراقبة، أو معدات مكافحة الشغب.
أيضاً، تم تعديل القسم 105 من CISADA من خلال فرض حظر التأشيرات على الممتلكات الأميركية لأي شخص أو شركة تبيع سلع الحكومة الإيرانية، أو التقنيات التي يمكن أن تستخدمها لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، مثل الأسلحة النارية، والرصاص المطاطي، وهراوات الشرطة، وبخاخات الكيماويات، أو الفلفل، والصواعق، أو القنابل اليدوية، والغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه، وما شابه ذلك من البضائع، وإضافةً إلى ذلك، فرض عقوبات على أي شخص باع هذه المعدات إلى “الحرس الثوري” الإيراني.
مع ذلك، لا تكترث إيران كثيراً لتأثير تلك العقوبات، فما يعنيها بالأساس العقوبات المرتبطة بالوضع الاقتصادي، ومن ثم كان ارتباط الاتفاق النووي بملف العقوبات الاقتصادية، بما يتضمنه من طاقة ومؤسسات مالية، لذا لا يتوقع أن تكون لعقوبات حقوق الإنسان تأثير يُذكر كأداة ضغط على النظام الإيراني.
اندبندت عربي