يبدو أن انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي بشكل كامل ستكون له نتائج كبيرة ستصيب العملية السياسية وتشكيل الحكومة العراقية بالشلل، وتمنح الاحتجاجات الرافضة للفساد وتوجهات الجهات السياسية الحليفة لإيران في وسط وجنوب العراق زخماً جديداً مدعوماً من أنصاره، إذا ما قرر النزول إلى الشارع.
وعلى الرغم من محاولات القوى السياسية خلال الأيام القليلة الماضية إقناع الصدر بالعدول عن قراراه، فإن الأخير كان واضحاً خلال استقباله في النجف النواب المستقلين برفض أية عودة للعملية السياسية، بل رفض المشاركة في الانتخابات المقبلة إذا ما شارك فيها من سماهم “الفاسدين”، في إشارة إلى بعض الأطراف الشيعية المنافسة.
وكان نواب التيار الصدري، البالغ عددهم 73 نائباً، قد قدموا استقالتهم إلى رئيس البرلمان، بأمر من زعيم التيار مقتدى الصدر، بعد ثلاثة أيام من دعوة نواب التيار إلى كتابة استقالتهم، تأهباً لأي قرار قد يصدر عنه بذلك، في خطوة كانت مفاجئة للجميع.
تراجع العملية السياسية
ويبدو أنه من الصعب تحديد الخسائر والأضرار التي سيتسبب فيها انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي، لكن في متابعة أولية، تبدو جميع القوى السياسية حائرة في كيفية سد فراغ قوة سياسية لها جمهور ثابت ومنتظم ومطيع، إذا ما تشكلت حكومة ليس لها أي تمثيل لوزنه الحقيقي في الشارع.
وربما تكون مواقف الكتل السياسية المنافسة للصدر والحليفة له محرجة من قرار الانسحاب، كون العملية السياسية في العراق تشهد تراجعاً كبيراً، الأمر الذي كان واضحاً في المقاطعة الواسعة للانتخابات والحملات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي المنتقدة للنظام السياسي برمته، بل وصلت الأمور إلى حد المطالبة بتغييره، خصوصاً في مناطق وسط وجنوب العراق ذات الغالبية الشيعية.
لهذا، فإن التظاهرات لتعديل الوضع السياسي والحصول على تنازلات جديدة تضمن نجاح مشروع الصدر الإصلاحي هي الخطوة القادمة كما يبدو بعد تشكيل حكومة عراقية جديدة، أو فشل الإطار التنسقي الذي يضم القوى الشيعية الحليفة لإيران في تشكيلها خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، قال إن تبعات الانسحاب من البرلمان كبيرة جداً، كونه سيشكل خللاً في مجال الرقابة والتشريع، لما يمثله التيار من قاعدة جماهيرية”، مبيناً أن الانسحاب أحدث اختلالاً كبيراً في موازين القوى داخل البرلمان العراقي.
وأضاف أن الانسحاب سيؤثر على قضية التحالفات السياسية التي نشأت بعد الانتخابات، على أثر انهيار تحالف “إنقاذ وطن” الذي يظم الحزب الديمقراطي، وتحالف السيادة، كونهم الحلقة الأضعف، ويتنافسون حول قوة الصدر السياسية، لافتاً إلى أن انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان والعملية السياسية سينقلها من مساحة المعارضة الوطنية في البرلمان إلى المعارضة الشعبية.
وتابع الشمري أن عودة التيار الصدري إلى الشارع ستكون الورقة التي تتحرك بها قاعدة الصدر العقائدية، لأنهم لا ينظرون إلى الصدر على أنه رجل سياسة بقدر ما ينظرون إليه كرمزية دينية، مشيراً إلى أن عزل الصدر وكسره سياسياً سيكون له رد فعل كبير من قبل قاعدته الجماهيرية.
تحالفات الشارع
وتوقع أن يتحرك الشارع بتظاهرات واعتصامات، وقد يتحالف التيار الصدري مع القوى المدنية، مؤكداً أن حل البرلمان وسقوط أية حكومة مشكلة من قبل الإطار التنسيقي، سيكونان هدف الجماهير الصدرية.
ويقول الصدريون، الذين يشغلون 73 من أصل 329 مقعداً في البرلمان، إنهم الكتلة الأكبر، ويطالبون بتشكل الحكومة، وفق مبدأ الغالبية السياسية، فيما يطالب الإطار التنسيقي، الذي يضم عدداً من الكتل السياسية المقربة من إيران، بحكومة توافقية تضم جميع الأطراف الشيعية كما كان متبعاً في الحكومات المتعاقبة التي تشكلت بعد عام 2003، وهذا ما يرفضه الصدر.
وأدت هذه الخلافات إلى تأخر تشكيل الحكومة على الرغم من إجراء الانتخابات في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 بعد أن فشل مجلس النواب في عقد جلسة مكتملة النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية، الذي يتطلب حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب (220 نائباً)، والذي بدوره يكلف الكتلة النيابية الأكبر عدداً اختيار مرشح لرئيس الوزراء.
وطرح مقتدى الصدر، مطلع مايو (أيار)، مبادرة سياسية تهدف إلى الخروج من الأزمة التي يشهدها النظام السياسي في العراق، حيث دعا المستقلين في مجلس النواب إلى تبني تشكيل الحكومة المقبلة بدعم من التحالف الثلاثي، الذي يضم، إضافة إلى الصدريين، كلاً من الديمقراطي الكردستاني والتحالف السني، في مدة أقصاها 15 يوماً، لكن المستقلين لم يقدموا هذه الحكومة على الرغم من سلسلة من الحوارات بينهم وبين الكتل السياسية الأخرى، ما أدى إلى استمرار الجمود السياسي.
الطريق نحو المعارضة
وكان التيار الصدري قد لوح بالانضمام إلى صفوف المعارضة، بعد ساعات من قرار المحكمة الاتحادية العليا في 15 مايو (أيار) الماضي، الذي نص على عدم دستورية مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، والذي قدمته الحكومة إلى البرلمان من أجل تمريره، كحل مؤقت لتسيير أعمال الدولة، في ظل عدم القدرة على تمرير الموازنة الاتحادية، بسبب عدم تشكيل الحكومة الجديدة.
واتهم الصدر، في حينها، القضاء العراقي بالتغاضي عن الثلث المعطل في الحكومة، مشدداً على رفضه عودة البلاد إلى مربع المحاصصة والفساد. وقال في خطاب، إن “الشعب يعاني الفقر، فلا حكومة غالبية جديدة قد تنفعه، ولا حكومة حالية تستطيع خدمته”، متسائلاً، “هل وصلت الوقاحة إلى درجة تعطيل القوانين التي تنفع الشعب عيني عينك؟”، في إشارة إلى قرار القضاء بإلغاء قانون الأمن الغذائي.
بدوره، قال مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، إن “احتمال دخول العراق في متاهة أمر وارد، لعدم معرفة من يشكل الحكومة، ووفق أية قاعدة، وكل هذه الأمور غامضة”، مشيراً إلى أن عودة الجماهير الصدرية إلى الاحتجاج والنزول إلى الشارع احتمال كبير، لا سيما أن الصدر كان يضع نفسه بجانب الشباب الذي يعاني الفقر والجوع والأمية والبطالة والمخدرات.
الاحتجاجات تلوح في الأفق
ولفت فيصل إلى أن “الشعب العراقي اليوم غير مقتنع بالطبقة السياسية، بعد أن ثار عليها في البصرة والعمارة والنجف وكربلاء، لأنها تسببت بإذلاله وتشريده وزيادة انتشار الجرائم والانفلات الأمني”، مبيناً أن التيار الصدري ذهب إلى خيار الشعب ليكون قوى شعبية معارضة خارج إطار الدولة من أجل الضغط على الحكومة والبرلمان.
وعن احتمال حل البرلمان، أوضح فيصل أنه وارد على الرغم من استبعاد رئيس البرلمان لذلك، مشدداً على ضرورة إيجاد مشروع مدني حقيقي، بالتعاون مع السيادة والديمقراطي الكردستاني والأحزاب الكردية والوطنية الأخرى. وتابع أنه من دون مشروع مدني حقيقي تشترك فيه هذه الجهات، فإن العراق سيواجه وضعاً جديداً يتمثل برفض جدي من قبل التيار الصدري للوضع السياسي، وهيمنة الكتائب المسلحة على الوضع في العراق، وسيكون البرلمان في مواجهة الحكومة.
اندبندت عربي