تحتدم الأزمة في العراق، بوصولها إلى “أعلى مراحل التصعيد السياسي”، كما قال محللون لموقع الحرة، وذلك بعدما نفذ رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر تهديده، وانسحب من العملية السياسية، عقب أيام من تقديم نواب كتلته استقالاتهم من البرلمان.
ومنذ الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر الماضي، لم تتحرك العملية السياسية في البلاد التي تواجه استحقاقات اجتماعية واقتصادية عديدة.
والأربعاء الماضي، قال الصدر للنواب المستقيلين: “قررت الانسحاب من العملية السياسية كي لا أشترك مع الفاسدين بأي صورة من الصور لا في الدنيا ولا في الآخرة”.
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة، إياد العنبر، لموقع “الحرة”، إن انسحاب الصدر خطوة نحو أعلى مراحل التصعيد السياسي، مضيفا “هي محاولة لإعادة ترتيب معادلة السلطة السياسية من خارج أروقتها”.
وأوضح قائلا: “بهذه الخطوة يريد الصدر أن يكون خارج السلطة التشريعية على الأقل، في محاولة لاستراتيجية صريحة بعدم التحالف مع القوة التقليدية التي تصر على الذهاب نحو التوافقية”.
مراوغة سياسية؟
وبعد مرور ثمانية أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة، لا تزال الأطراف السياسية الأساسية في البلاد عاجزة عن الاتفاق على الحكومة المقبلة، ويدعي كل منها إن لديه الغالبية في البرلمان الذي يضم 329 نائبا.
ويقول خصوم الصدر السياسيين في الإطار التنسيقي إنهم يمتلكون كتلة تضم نحو 100 نائب، فيدفعون باتجاه تشكيل حكومة توافقية تضم الأطراف الشيعية كافة، كما جرى عليه التقليد السياسي في العراق منذ سنوات، الأمر الذي يرفضه الصدر.
ويضم الإطار التنسيقي كتلا شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران.
وفي المقابل، يريد التيار الصدري الذي يرأس تحالف “إنقاذ وطن” مع كتلة “تقدم” السنية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، تشكيل حكومة أغلبية، مؤكدا أن كتلته هي الأكبر في البرلمان (155 نائبا).
وعما إذا كانت خطوة الصدر تهدف إلى الحصول على تنازلات، قال العنبر: “توقيت التنازلات انتهى، وعلينا الآن التفكير في الخطوات التالية”.
غير أن المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، يتحدث لموقع “الحرة”، عما وصفها بـ”حالات توسل” وإرسال وفود، وأوضح قائلا: “يعرف السيد الصدر أن إيران لا تريد انفراد جماعاتها بالأغلبية البرلمانية والحكم، بل تريد كتلة شيعية كبيرة موحدة ليست منقسمة”.
وأضاف قائلا: “لقد عودنا الصدر على اتخاذ مثل هذه الخطوات، لتشكيل نقطة ضغط جماهيرية وفك الانسداد أو الحصول على مكاسب سياسية”.
خلاف قانوني
وتظل جميع الاحتمالات مطروحة على الطاولة، حسبما يقول العنبر، حيث لم يتم استبدال أعضاء التيار الصدري بنواب جدد يؤدون القسم حتى هذه اللحظة.
ورغم قبول الحلبوسي استقالات كتلة الصدر (73 نائبا) يقول خبراء إنه لا يزال على البرلمان التصويت بغالبية مطلقة على ذلك بعد تحقيق النصاب.
وتعليقا على ذلك يقول العنبر: “تختلف الآراء القانونية في ذلك، لكن ربما يكون الحاسم النهائي باستبدال مقاعد الصدريين وتأديتهم القسم داخل مجلس النواب”.
إلا أن البرلمان في عطلة منذ التاسع من يونيو ولمدة لشهرين فيما يتوقع العنبر عقد جلسة طارئة لأداء الأعضاء الجدد القسم.
وإذا حصل ذلك، يقول العنبر: “ستكون الأزمة شبه منتهية تماما، وحينها نستطيع القول إن السيد الصدر تنازل عن مقاعده وأصبح خارج السلطة التشريعية”.
وينص قانون الانتخابات العراقي على أنه عند استقالة نائب، يتولى منصب النائب المستقيل صاحب ثاني أكبر عدد من الأصوات في دائرته.
الخطوة التالية
وبينما يزداد المشهد تعقيديا وضبابية، يتحدث العنبر وهاشم عن عاملين قد يشيران إلى الخطوة التالية وهي تشكيل الحكومة، والمظاهرات في الشارع.
ويقول هاشم “الصدر يعرف أن انسحابه سيؤدي حتما إلى اختلال في العملية السياسية، وأن الجميع سيهرع إليه لاسترضائه، وسيكون الأمر قابلا للتفاوض والعدول والاستجابة للاشتراطات حتى يصوت البرلمان على استقالة نواب كتلته”.
لكن من بين الاشتراطات التي دعا إليها الصدر فصل الحشد الشعبي عن الفصائل المسلحة في العراق، الأمر الذي يصفه هاشم بـ”شرط صعب أن يقبله الإطار التنسيقي”.
ورغم تراجع الكتلة السياسية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي في الانتخابات، تبقى هذه التشكيلات التي يقدر عدد مقاتليها بـ160 ألف عنصر لاعبا مهما على الصعيد الأمني والسياسي في البلاد.
ومن المتوقع أن يستفيد المستقلون والإطار التنسيقي من مقاعد الصدريين الـ73 بارتفاع عدد مقاعدهم.
ويعتقد هاشم أن الإطار التنسيقي سيستفيد من انسحاب الصدر إذا أصر على ذلك، قائلا: “هو يحقق للإطار حلما طال انتظاره لكي يتسيد المشهد ويدير دفة الحكم في العراق”.
ويستنتج هاشم أن تزيد خطوة الصدر مخاطر الصراع في العراق.
كان البرلمان تخطى المهل التي ينص عليها الدستور، وأخفق ثلاث مرات في انتخاب رئيس للجمهورية، بسبب الخلاف السياسي وعدم قدرة أي طرف على حسم الأمور.
وقد طُرحت خيارات منها حل البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة، لكن لا يمكن حل البرلمان إلا بقرار من مجلس النواب نفسه.
ويتوقع العنبر أن يتحول المشهد السياسي في المستقبل القريب إلى “إما الصدر أو خصومه من الفرقاء السياسيين الشيعة”.
يتحدث العنبر عن احتمالية أن يؤدي خروج الصدر من المشهد السياسي إلى تحشيد الرأي العام وتظاهرات تستفيد من سخط الشعب.
والأسبوع الماضي، قال الصدر إن “كان بقاء الكتلة الصدرية عائقا أمام تشكيل الحكومة، فكل نواب الكتلة مستعدون للاستقالة من مجلس النواب ولن يعصوا لي أمرا”.
وقبل شهرين من هذه الكلمة، أعلن الصدر أنه سيتجه إلى المعارضة، داعيا خصومه السياسيين إلى تشكيل الحكومة.
ويقول العنبر إن خطوة الصدر قد تكون معلقة بانتظار تشكيل الحكومة وتسليط الضوء على الهفوات والصفقات والتوافقات التي سوف تجري حتى يستفاد منها لاحقا التيار الصدري.
وأضاف “ستحدد طبيعة تشكيل الحكومة، بشأن ما إذا كانت توافقية تقاسمية بين أحزاب السلطة التقليدية وبنفس العقلية السابقة أم ستقدم شخصيات شجاعة وصاحبة قرار قادر على التعامل مع أزمات الشارع، إدراك القوى السياسية حجم الخطر الذي سيكون في قادم الأيام”.