الجيش يفوّت على الجزائر فرص الاستفادة من الحرب الأوكرانية

الجيش يفوّت على الجزائر فرص الاستفادة من الحرب الأوكرانية

تشترك إيطاليا والجزائر وتونس في مجموعة من المصالح ذات القدرة على تغيير المشهد الاقتصادي لجميع الدول الثلاث بينما تحاول أوروبا تحرير نفسها من اعتمادها على النفط والغاز الروسيين. لكنّ مراقبين يرون أن الجيش الجزائري، الذي يهيمن على الاقتصاد، مازال لا يتمتع بالمرونة الكافية لإدراك الفرص التي تتيحها حرب أوكرانيا.

ويرى فرانسيس غيلس الباحث المساعد في مركز برشلونة للشؤون الدولية أن “الجيش لا يدرك تماما أنه يتعين عليه إعادة تنظيم الطريقة التي يُدار بها الاقتصاد. ويجب أن يمنح القطاع الخاص مساحة أكبر للتنفس، مما يعني طريقة أكثر ليبرالية لإدارة الاقتصاد الذي لطالما كان موجها، ويرجع ذلك جزئيا إلى رغبة الجيش في الاحتفاظ بالسيطرة”.

وتابع “لذلك، فإن أحد الأسئلة هو، هل يفهم الجيش ما يجب فعله وهل أنه مستعد لتغيير الطريقة التي تدار بها الجزائر إلى حد ما؟ عندما يتعلق الأمر بقطاع الطاقة، فتكمن المشكلة في سوء إدارته من 2000 إلى 2020 لأن الرئيس الأسبق بوتفليقة عيّن أشخاصا فاسدين تسببوا بالفعل في الكثير من الضرر لشركة الطاقة الحكومية سوناطراك. وتبقى شركة تضم 200 ألف شخص، وأعتقد أنها الأكبر من نوعها في أفريقيا وتجمع العديد من المهندسين الموهوبين، ولا يوجد سبب لعدم تمكنهم من استعادة توازنهم. وستكون الجزائر بالتأكيد قادرة على تطوير مواردها من النفط والغاز، لكن إلى أي مدى تستطيع ذلك؟ هذا هو السؤال”.

نظرة على خارطة البحر المتوسط تبين أن أقرب نقطة بين شمال أفريقيا وأوروبا بعد مضيق طارق تقع بين تونس وصقلية

وليس هذا فقط ما يمكن أن يعيق الاستفادة من الحرب الأوكرانية، بل أيضا التوتر الخفي مع تونس ففي مايو الماضي كشفت تصريحات للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال زيارته إلى إيطاليا عن انزعاج جزائري من الإصلاحات التي يقودها الرئيس قيس سعيد حيث وصفها تبون بـ”المأزق”، وقال إن بلاده وروما مستعدتان لإخراج تونس منه وهو الأمر الذي يهدد التعاون بين البلدين لاسيما في ظل الحديث عن عزم الجزائر التوقف عن بيع الغاز بأسعار تفاضلية لتونس بسبب برود العلاقات مؤخرا.

وتظهر نظرة سريعة على خارطة  البحر المتوسط ​​أنه بعد مضيق جبل طارق، فإن أقرب نقطة اتصال بين شمال أفريقيا وأوروبا تقع بين تونس وصقلية، وهو ما يذكّر بمدى أهمية الجغرافيا في قطاعي الطاقة والاتصالات.

ويشرح فرانسيس غيلس ذلك بالقول “نجد هناك أول خط أنابيب للغاز تحت الماء في العالم، والذي انطلق في 1983 بعد أن نجح الإيطاليون ببنائه. ويحمل اليوم 21 مليار متر مكعب من الغاز من الجزائر كل سنة، وهو عدد سيرتفع إلى 30 مليار متر مكعب بحلول العام المقبل.

تصريحات تبون خلال زيارته لإيطاليا تثير استياء الجارة تونس 

كما أن هناك أربعة خطوط إنترنت تربط أوروبا بأفريقيا. وانطلق آخرها، على ما أعتقد، في 2013. وفي المستقبل، إذا سارت الأمور على ما يرام وتقدمت الخطط بين إيطاليا والجزائر بشكل خاص في مجال الطاقة، فستكون هناك كابلات للكهرباء الخضراء وخط للهيدروجين الرمادي والأخضر. وهكذا تصبح تلك المسافة بين شمال تونس وصقلية مفتاحا للاتصالات بين أوروبا وشمال أفريقيا والقارة السمراء ككل”.

وتزايد الاهتمام بالخط الرابط بين تونس وإيطاليا منذ بدء الحرب الأوكرانية حيث اتفقت روما والجزائر على زيادة كمية الغاز المتدفقة إلى إيطاليا عبر الخط المار من تونس.

الجيش الجزائري الذي يهيمن على الاقتصاد لا يزال لا يتمتع بالمرونة الكافية لإدراك الفرص التي تتيحها حرب أوكرانيا

وقال فرانسيس غيلس “أعتقد بشكل أساسي أنه يجب على المرء أن ينظر إلى إيطاليا كدولة اتبعت في الثمانينات سياسة نشطة تجاه جنوب البحر المتوسط ​​والتي كانت مختلفة تماما عن سياسة فرنسا والولايات المتحدة. حيث أيدت إيطاليا بقوة الإصلاحات التي تم إطلاقها في الجزائر في 1989، والتي فشلت في 1992. واختلفت إيطاليا بهذا عن فرنسا والدول الأوروبية الأخرى والاتحاد الأوروبي. لذلك، كان لإيطاليا سياسة متميزة. كما كان إنريكو ماتي مؤسس إيني الإيطالية مستشارا للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية خلال المفاوضات مع الجنرال ديغول التي أدت إلى الاستقلال. وكان ديغول يحاول فصل الصحراء حيث يوجد النفط والغاز عن الدولة الوليدة. لذلك، فإن روابط الغاز والسياسة والثقة بين إيطاليا والجزائر عميقة للغاية”.

وتابع “الآن، تلعب إيطاليا دورا متزايدا كمركز للغاز في البحر المتوسط. لماذا؟ أوّلا لأن لديها خط أنابيب قادم من الجزائر. ثانيا، لأن لديها خط أنابيب قادم من ليبيا. وربما لا ينتقل الكثير من الغاز عبر خط الأنابيب هذا في الوقت الحالي، لكنه موجود، ويتم استهلاكه. ثالثا، يوجد خط أنابيب يربط جنوب إيطاليا بأذربيجان عبر تركيا واليونان، وهو ينقل الغاز بالفعل. رابعا، يوجد غاز طبيعي مسال قادم من مصر.

وخامسا، يبدو أنه سيكون هناك غاز من إسرائيل في جنوب إيطاليا قريبا جدا. وهكذا برزت إيطاليا باعتبارها المكان الذي تمرّ منه الغالبية العظمى من غاز البحر المتوسط ​​وأذربيجان إلى أوروبا. لقد استمرّ هذا على مر السنين، لكن وتيرته تسارعت بسبب تقليص الإمدادات من روسيا التي كانت مصدرا مهما للغاية”.

وأردف “النقطة الأخيرة هي أن الألمان يبثون أفكارهم للجزائريين بشأن الغاز والهيدروجين والطاقة الخضراء. وكان نائب وزير خارجية ألمانيا في الجزائر مؤخرا لمناقشة مشروع تعاون في المجال العلمي والصناعي. وإذا حدث ذلك، فسنرى الشركات الألمانية تتزايد في الجزائر. وربما سيعمل الألمان مع الإيطاليين. ولم يُوقّع على أي مشروع ولم يُختم حتى اليوم، ولكن العديد من المؤشرات تشير إلى هذا”. وبحسب غيلس فإن الجديد نسبيا هو أن إيطاليا تملك استراتيجية متماسكة وتتطلع إلى المستقبل لمراعاة جميع التغييرات التي تحدث في العالم بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

 

العرب