التخلص من أزمات العراق السياسية يقتضي تعديل الدستور

التخلص من أزمات العراق السياسية يقتضي تعديل الدستور

مع كل انتخابات منذ اعتماد دستور 2005 يدخل العراق في أزمة سياسية لتركيز المؤسسات الدستورية. ويرى محللون عراقيون أن النظام السياسي القائم منتج للأزمات ووجب تعديله بما يتناسب مع التحولات والظروف الراهنة.

بغداد – يرى محللون عراقيون في تعديل الدستور العراقي وتذليل ما يحتويه من عقبات لتشكيل المؤسسات الدستورية عقب كل استحقاق انتخابي، الحل الأمثل لتجاوز بغداد أزماتها السياسية.

ويستوجب إدخال تعديلات على الدستور العراقي إرادة سياسية حقيقية في الإصلاح وتفادي تكرار الأزمة الدستورية عقب كل انتخابات، وهو ما لا يتوفر الآن في ظل برلمان منقسم على نفسه وصراع طائفي يسعى لاسترضاء الأنصار على حساب خدمة الصالح العام.

ودعا رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان الخميس إلى تغيير بعض النصوص في الدستور العراقي، التي تقف عائقا أمام السلطات الدستورية عند كل استحقاق انتخابي، وصياغتها بشكل سلس يتناسب والمتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد خلال 19 سنة الماضية.

فائق زيدان: الظروف التي رافقت صياغة دستور 2005 تغيرت

وقال زيدان في تصريحات لوسائل إعلام محلية “نرى أن الظروف التي رافقت صياغة نصوص الدستور العراقي لسنه 2005 في حينها قد تغيرت، وأصبح عدد من مواد الدستور عقبة أمام تشكيل السلطات الدستورية عند كل استحقاق انتخابي”.

وأضاف أن “الضروري إعادة النظر بتلك النصوص الدستورية ومنها صحة انعقاد جلسات البرلمان أو الأغلبية المطلوبة لتشريع القوانين”.

وذكر زيدان أن “الخلافات السياسية بين التحالفات والأحزاب الفائزة بالانتخابات تسببت بحصول خروقات دستورية عديدة مازالت مستمرة، وأهمها مضي المدة القانونية لتسمية رئيس جمهورية جديد في البلاد، وتبعا له تسمية رئيس حكومة، وهذه بحاجة إلى تعديل دستوري وتحديد مدة معينة لتشكيل المناصب والاستحقاقات الدستورية”.

ويؤكد محللون أن الأزمة الحقيقية في العراق تكمن في النظام السياسي نفسه، وفي عجزه عن ضمان الالتزام بالدستور والقانون، وما أزمة عدم احترام التوقيتات الدستورية، سوى مظهر من مظاهر تلك الأزمة.

ويشير هؤلاء إلى أن النظام السياسي هو الممر الأساس لعملية إصلاح وبناء الدولة، فكلما كان هذا النظام مصمما بشكل يعكس استيعابه للدولة ومؤسساتها ومواطنيها ككل، وليس معبرا عن الخصوصيات الفردية والذاتية للجماعات والأفراد، كلما كانت عملية البناء محفزة وفاعلة.

ويؤكد المحللون أن بناء الدولة يستوجب أن يكون متوازيا مع عملية تصحيح اختلالات النظام السياسي وعقباته، حتى تستكمل مسارات التحول الديمقراطي بالمجالات كافة، لأن صمود مسارات البناء الأخرى واستدامتها سيكونان موضع شك وتزداد فرص فشلهما.

ويقترح هؤلاء، لتفادي الأزمات السياسية، إما استحداث نظام سياسي جديد يتفق عليه، يتجاوز إخفاقات النظام البرلماني الحالي، وإما تعديل هذا النظام وتقويمه ومعالجة الاستعصاءات الماثلة في تطبيقاته الدستورية والسياسية، بما يعمل على مواءمته للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ويختزل كل التناقضات والتقاطعات والحساسيات والانسدادات والتفسيرات الخاطئة لطبيعة هذا النظام، ويقتضي في هذا الحال إجراء تعديلات دستورية جوهرية.

وتتطلب عملية تصحيح الاختلالات، وهو السيناريو الأقرب للواقع، مراجعة الدستور العراقي، فالدستور هو الورقة الأهم التي تحدد كل شيء في الدولة وتقود عملية البناء والاستقرار والاستدامة فيما بعد، فالدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطات العامة فيها.

ويتطلب الأمر في العراق أن يتم العمل إما على إجراء تعديلات جوهرية لكل الثغرات التي اختبرتها الممارسة السياسية، مع تكيفات قانونية قادرة على مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية التي مر بها العراق، وإما على حسم العديد من المواد العالقة والقابلة للتأويل ومنها المادة 76 المتعلقة بتفسير الكتلة النيابية الأكثر عددا لجعلها منسجمة مع النظام الانتخابي الذي تم إقراره، والذي أفضى إلى اعتماد آلية النظام الفردي لأعلى الأصوات ذي الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة، لحسم إشكالات تشكيل الحكومة وقبلها تكليف رئيسها.

وأيضا حسم المواد الدستورية المتعلقة بآليات استقالة الحكومة، وسحب الثقة منها ودور رئيس الجمهورية والمدد الدستورية وماهية بدائل عدم الالتزام بتلك المدد وماذا يحصل، وأيضا تثبيت وضع حكومة تصريف الأعمال وتكييف وضعها الدستوري والقانوني، والأهم من ذلك كله رفع الفيتو الوارد في المادة 142 الخاصة بتعديل الدستور ورهنه بإرادة ثلثي ناخبي ثلاث محافظات، وجعل التعديلات الدستورية بأغلبية النصف زائد واحد لجميع ناخبي محافظات العراق، ليتحول الدستور العراقي من دستور جامد إلى دستور مرن حيوي بالإمكان تعديله حسب المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وأحدث التيار الصدري (الفائز بالانتخابات التشريعية) رجة غير مسبوقة في الساحة السياسية العراقية عندما قدم نوابه استقالاتهم من البرلمان العراقي، ليصبح بذلك الإطار التنسيقي ( قوى شيعية موالية لإيران) الكتلة الأكبر في البرلمان بأغلبية 123 نائبا، وهذا ما سيمكنه من الدخول في مفاوضات لحسم انتخاب رئيس جديد للبلاد وتسمية مرشح لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

الخلافات السياسية بين التحالفات والأحزاب الفائزة بالانتخابات تسببت بحصول خروقات دستورية عديدة مازالت مستمرة

وأصر الصدر على تشكيل حكومة أغلبية مع حلفائه مع استبعاد القوى المدعومة إيرانيا، لكنه لم يتمكن من تأمين أغلبية الثلثين المطلوبة لانتخاب الرئيس القادم، وهي خطوة ضرورية تسبق تسمية رئيس الحكومة الجديدة وتشكيلها.

ويرى مراقبون أن الأزمة القائمة في العراق أخذت “منحنى نحو الأسوأ” وأن استقالة الكتلة الصدرية “عمقت حالة عدم اليقين” في البلاد.

وأشار هؤلاء إلى أن تلويح الصدريين بالتحول إلى المعارضة الشعبية بدلا من المعارضة السياسية، ربما يدخل العراق نفق اضطرابات تغذيها غضبة شعبية قد تتحول إلى أعمال عنف في الشوارع.

واعتبروا أن ترك الكتلة الصدرية مقاعدها في البرلمان لأول مرة منذ عام 2005 “مقامرة كبيرة” من قبل الصدر، أكثر الساسة العراقيين نفوذا، مشيرين إلى قدرته الكبيرة على حشد أنصاره في الشارع وإفشال أي محاولة من قبل خصومه لتشكيل حكومة والمضي قدما لاستكمال أي استحقاقات.

واستبعد الدكتور رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات، تشكيل حكومة عراقية في الوقت الراهن، لافتا إلى حجم العراقيل التي ستعيق تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سواء كانت حكومة وحدة وطنية، حكومة أغلبية، حكومة معارضة، أو حكومة توافقية.

وأوضح العزاوي أن التيار الصدري والإطار التنسيقي إذا شكل أي منهما حكومة عراقية جديدة فإنها لن تستمر سوى عام واحد، لانعدام ثقة الشارع العراقي في القادة والنخب السياسية.

العرب