يتطلب استقرار الدولة ونظامها السياسي بشقيه الحكومي وغير الحكومي سلطة قضائية نزيهة تمارس اختصاصاتها وفق أحكام الدستور. وهذا ما يقوم به حاليا رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد فائق زيدان.
يمثل القاضي فائق زيدان الجيل الثاني في قيادة القضاء العراقي ما بعد عام 2003. بحيث تسلم الرجل تركة ثقيلة جدا في ظروف استثنائية في عام 2017 كرئيس لمجلس القضاء الأعلى. وهي المرحلة التي تلت مرحلة ما بعد اندحار تنظيم داعش الإرهابي، والشروع في تنظيف العراق من بقايا الإرهاب والإرهابيين وداعميهم ومضيفيهم، والفصل القانوني في قضاياهم داخل المحاكم العراقية. كما نجح القاضي فائق زيدان في نسج علاقات جيدة مع القضاء العربي والإيراني والأورربي والغربي. واندفع نحو تجديد وتطوير القضاء العراقي من خلال الدعم الأوروبي والغربي ليصبح القضاء العراقي منسجما مع القوانين الأوروبية والعالمية التي تحمي حقوق الإنسان وحرية التعبير. وفي هذا السياق، شارك مجلس القضاء الأعلى العراقي في المؤتمر الإقليمي للسادة القضاة العاملين على قضايا حرية التعبير عن الرأي وسلامة الصحفيين في المنطقة العربية، الذي أقيم في العاصمة المغربية الرباط،برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).
وذكر ممثل مجلس القضاء الأعلى القاضي حاتم جبار عودة، خلال حديثه أثناء المؤتمر، ان “مجلس القضاء الأعلى يدافع عن حرية الرأي وسلامة الصحفيين، لكنه أكد أن الإساءة والتشهير لا تعد تعبيرا عن حرية الرأي، حيث يجب التمييز بين ذلك، وهذا ما معمول به في جميع الدول العربية المشاركة في المؤتمر.
كما استعرض التجربة العراقية في هذا المجال بوصفها من التجارب النموذجية، ودور مجلس القضاء الأعلى في تعزيز حرية التعبير عن الرأي، موضحا موقف العراق ومجلس القضاء الأعلى على وجه الخصوص في مجال حرية التعبير عن الرأي وحماية الصحفيين، حيث بين أن المجلس قدم ويقدم كافة المتطلبات القانونية التي تضمن حرية التعبير عن الرأي وحماية الصحفيين من خلال الإعماماتالموجهة الى رئاسات المناطق الاستئنافية كافة،والمتضمن التأكيد على مراعاة أحكام المادة (38/ فقرة ثانيا) من الدستور العراقي، والتي تنص على حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، فضلا عن ضرورة التعامل بدقة مع الشكاوى التي تقدم بحق الصحفيين. فيما أشاد القائمون على هذا المؤتمر بدور مجلس القضاء الأعلى وإيضاح موقف العراق بأجهزته المعنية في مجال حرية التعبير عن الرأي وحماية الصحفيين، وبالتجربة العراقية في هذا الشأن. ولأن فائق زيدان يؤمن بأن حرية التعبير هي إحدى أهم الأهداف للصحافة، فالصحافة تمنح الناس الحق في إبداء الرأي، وتُعبّر عن مختلف الآراء في المجتمع؛ حيث تُعدّ صوت من لا صوت له، وتُوفّر الصحافة للناس معلوماتٍ وتقارير كافية عمّا يدور حولهم في العالم؛ كالشؤون العالمية الحالية التي تشمل القضايا السياسية أو العامة، أو مستجدات الموضة، وغيرها من الأحداث المختلفة. إذ يرى فائق زيدان أن حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والإعلام مكفولة بموجب المادة (38) من الدستور،وهذه إحدى المكاسب التي تحققت بعد تغيير النظام السياسي سنة 2003، ونعتقد أن أساس النظام الديمقراطي في الحكم مبني على هذه الحريات التي نحترمها ونحميها بموجب القانون، وقد وجهنا المحاكم في أكثر من مناسبة بمراعاة التعامل بدقة مع الإعلاميين في حال تقديم الشكاوى بحقهم، وأن يكون أي إجراء تحقيقي بمعرفة نقابة الصحفيين وحضور ممثل عنها وتجنب إصدار مذكرات قبض بحق الإعلاميين، وعوضاً عن ذلك يصار إلى مذكرات الاستقدام وفق القانون، وأن يكون تقدير ما ينسب إلى الإعلامي مخالفاً للقانون من عدمه بموجب رأي وخبرة الخبراء المختصين في الإعلام واللغة العربية، لتحديد فيما إذا كان الفعل المرتكب من الإعلامي يشكل مخالفة للقانون من عدمه.
لأن فائق زيدان ديمقراطي الفكر، يؤمن بأن حرية الإعلام أساس المجتمع الديمقراطي، إذ تحتلّ وسائل الإعلام دوراً مهماً في المجتمع الديمقراطي، فالصحافة ليست مجرد مصدر للأخبار وحسب، بل هي مرجع للمعلومات الحالية، وأداة للنقد العام، حيث تُؤثر بشكل كبير في صنع الرأي العام، ويقع على عاتق محرر الأخبار وطاقمه اختيار الأخبار القادمة من مختلف الوكالات والمراسلين، أو إعداد مقابلات مع الأشخاص، وتحريرها، وترتيبها، وعرضها بالشكل الذي يظهر للناس، وعليه تُعدّ الصحافة أساساً للمجتمع الديمقراطي. ففي هذا السياق جاء تصريح السيد فائق زيدان حول تجنب القضاء العراقي إصدار مذكرات قبض بحق الإعلاميين. وقد أشاد مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية بهذا التصريح. إذ يمثل سابقة مهمة في تاريخ القضاء العراقي، ويؤكد مدى الاهتمام الذي يوليه القضاء لدعم العمل الإعلامي وإعلاء شأن الإعلامي في العراق الذي يعمل في بيئة تزدحم بالتحديات. وشدد مركز النخيل على ضرورة تعضيد هذا التوجه ودعم الآليات الكفيلة بتحصين العمل الإعلامي قضائياً ودعم حرية الرأي والتعبير،بما ينسجمُ مع تمثيل السلطة الرابعة وحقوقها.
وبهذه المناسبة، دعا مركز النخيل جميع السياسيين والمسؤولين والجهات الحكومية الى أن يحذو حذو مجلس القضاء والتنازل عن جميع الدعاوى المرفوعة ضد الصحفيين والناشطين لتمكين هذا المجال من أخذ دوره الحقيقي المعهود بعيداً عن محاولات عرقلة مسيرة الإعلام الساعية لتمكين المجتمع وحمايته.
لذلك نجح القاضي زيدان بتأسيس علاقة جيدة ولأول مرة مع السلطة الرابعة والمتمثلة بالصحافة والإعلام. وبهذه العلاقة الطيبة بين السلطة الرابعة والقضاء،نجح السيد زيدان بتحسين صورة العراق أمام العالم، وأعطى فسحة جيدة ولأول مرة في فضاء الحرية الصحفية والإعلامية في العراق. وهذا بحد ذاته أغاض الكثير من الأطراف السياسية التي تعودت على القمع وتكميم الأفواه.
ومن أجل إنهاء الأزمة السياسية التي رافقت نتائج الانتخابات النيابية في تشرين الأول/ أكتوبر العام الفائت، طرح رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، مقترح تعديل الدستور العراقي، إذ يرى أن الدستور يعرّف على أنه القانون الأسمى في الدولة،والذي يتم من خلاله تحديد شكل الدولة وحكومتها ونظام حكمها وطبيعة السلطات واختصاصاتها والعلاقات فيما بينها وحدودها، إلى جانب تحديده لحقوق المواطنين وضمان أداء هذه الحقوق لهم.
وأوضح أيضا أن الدول يتم صياغتها بما يتفق مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل دولة، مع الأخذ بالحسبان أن هذه الظروف تتغير، لذا لابد من تعديل الدستور بما يتفق مع الظروف المتغيرة، لا سيما وأن النظام الدستوري لأي دولة من الصعوبة بمكان وصوله إلى درجة الكمال مهما كانت درجة إتقان صياغته.
كذلك رأى رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، أن دستور سنة 2005 تمت صياغته في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية، مؤكداً أن معظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن، لظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة، بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية.
فائق زيدان المدافع عن حريات الإعلام، عرف بابتعاده عن وسائل الإعلام، وعدم حديثه كثيرا في العلن، فهو لا يعطي رأيه إلا بعد تفكير عميق، ويؤمن بأن رأي القاضي يختلف عن رأي السياسي. وفي إحدى المقابلات التلفزيونية في نيسان 2021، وصف القاضي المخضرم في مقابلة تلفزيونية مسيرته في القضاء بأنها “معقدة جدا ومهلكة، ومرت بالكثير من المشاكل”، مضيفاً أن “حرية التعبير عن الرأي في العراق بعد 2003 وصلت إلى مرحلة الإساءة، ونرى أن بعض الناس لا يقيّمون ما نقدمه”.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية