أعطت الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى السعودية وإيران أبعادا ميدانية ألقت بظلالها على فعالية الدور الريادي الذي قام به العراق خلال السنة الماضية والتي امتدت من شهر نيسان 2021 والى الآن، وشملت خمس جولات من الحوار السعودي الإيراني الذي كان ثمرة جهد واسع ولقاءات مستمرة للسيد الكاظمي، وتطلعه لعودة العراق إلى محيطه العربي ودوره الكبير في تطوير العلاقات العربية – العربية ونجاحه في تدعيم الوساطة الدبلوماسية بين الرياض وطهران بعدة زيارات لهذين البلدين الجارين، وتسخير علاقته الودية مع ولي العهد السعودي، سمو الأمير محمد بن سلمان، في توسيع إطار هذا الجهد الأخوي العراقي الذي أسس لقاعدة ارتكاز مهمة أوصلت إلى نتائج إيجابية جيدة، تمثلت في الرسالة التي قام بها السيد الكاظمي والتي ستؤدي إلى إعادة العلاقات بشكل رسمي بين السعودية وإيران، والمضي بفتح السفارات، وبدى ذلك واضحا من خلال الاستقبال الودي الذي حظي به الكاظمي من قبل قيادات البلدين.
كانت للعلاقة العربية الأصيلة بين بغداد والرياض والتي أرسى دعائمها السيد الكاظمي، أثرا كبيرا في دعم الجهود الميدانية والتي سبقت هاتين الزيارتين بإجراء مناورات عسكرية يوم 13 من حزيران 2022 على الأراضي السعودية، بين قوات عراقية وسعودية، هي الأولى منذ عام 1990 أطلق عليها (مناورات الأشقاء العرب) في خطوة متقدمة أكدت عمق التعاون العسكري والأمني بين البلدين الشقيقين، واختار العراق الفرقة التاسعة للمشاركة في تلك المناورات، وهي من أنشط الفرق العسكرية ولها دور كبير في مكافحة نشاط وحركة الإرهاب، وتمتلك قدرات دفاعية وهجومية عالية، وتتميز بنظامها وقدرتها على العمل الميداني، وهذا ما كان واضحا في المناورات التي استمرت تسعة أيام، وشملت تمارين المناورة البرية والتعامل مع منظومات القيادة والسيطرة، وأسلوب التدخل السريع لمواجهة أي حدث مفاجئ.
تمت جميع هذه الفعاليات في مركز الأمير خالد بن سلطان شمال الأراضي السعودية.
هذه التطورات السياسية والعسكرية والأمنية في العلاقة بين بغداد والرياض، كانت إحدى سمات القيادة الناجحة لشخص رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والتي استبشرت بها إيران خيرا وأثنت على جهود الكاظمي بجولاته وسعيه لإنجاح الحوار السعودي الايراني الذي يراد منه رأب الصدع في العلاقات الدولية والإقليمية والاتجاه إلى سياسة ضبط النفس وتهدئة الأوضاع.
ان الإيرانيين يسعون من هذا الحوار إلى تعزيز موقفهم من المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، والتي تجري في العاصمة النمساوية فيينا، ولإثبات صدق نواياهم لمجموعة (4+1) وإمكانية العودة لتوقيع اتفاق مشترك جديد يرضي جميع الأطراف، ويعجل من إخراج إيران من عزلتها الدولية والإقليمية والضغوط الاقتصادية التي تعانيها جراء انخفاض المستوى المعيشي للإيرانيين، وتصاعد حدة التظاهرات الشعبية المناهضة للنظام، وتعاظم الانهيار في منظومتها الاقتصادية.
إن المملكة العربية السعودية جادة في تحسين علاقتها مع جميع الأطراف الإقليمية، وسياستها تعمل نحو بناء نظام أمني سياسي يهدف إلى تحقيق المصالح والمنافع المشتركة لجميع دول المنطقة، وتعزيز حالة الاستقرار والطمأنينة لدى الجميع.
إن الأبعاد الميدانية لهاتين الزيارتين تمثل رسالة سياسة تؤكد عمق الدور الريادي العراقي، وحسن العلاقات بين العراق ودول جواره، ودور الحوار وقدرته على التحرك الدبلوماسي والدفع بسياسات دول المنطقة نحو التهدئة، وإشاعة روح الحوار بدلا من خطاب الكراهية والاختلافات والنزاعات والحروب.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية