خلال فترة زمنية لا تتجاوز الأسبوع شهد العالم، أو سوف يشهد، انعقاد ثلاث قمم كونية كبرى تمثل في ذاتها حال الانقسامات التي يعيشها العالم اليوم، على أصعدة جيو – سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، ولا يلوح أن نتائجها يمكن أن تؤثر إيجابياً على الأوضاع العالمية، وهذه حصيلة تنطبق أولاً على البلدان المشاركة في تلك القمم ولكن مفاعيلها تسري بصورة أشدّ وطأة على الدول والمجتمعات النامية الغائبة.
القمة الأولى كانت افتراضية استضافها الرئيس الصيني شي جين بينغ وضمت الدول التي تُعرف باسم الـ»بريكس» وتتألف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وهذه عُقدت في ظل هواجس الاجتياح العسكري الروسي في أوكرانيا، ومشكلات جائحة كوفيد – 19 وخاصة تعثر منظمة التجارة الدولية في ضمان رفع العوائق عن حقوق إنتاج اللقاحات واستمرار الاحتكار لدى حفنة من البلدان الغربية المصنعة.
القمة الثانية يستضيفها المستشار الألماني وتُعرف باسم مجموعة الـ7 المؤلفة من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان فضلاً عن البلد المضيف، وهذه أعلنت أنها تعالج الحرب في أوكرانيا، وهواجس أزمات الغذاء والطاقة التي تلوح في الأفق القريب بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وانقطاع صادراتها من الغاز والنفط والحبوب. وإذا كان المشاركون قد أعلنوا العزم على توفير 600 مليار دولار لتمويل ما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه «التزام من الدول الصناعية الكبرى لتحقيق العدالة في البنى التحتية العالمية، والمساعدة في بناء دول متوسطة الدخل»، فإن تجارب الشعوب مع قمم مماثلة سابقة أثبتت أن الوعود شيء والتنفيذ على الأرض شيء آخر مختلف تماماً. هذا بالإضافة إلى أن أبرز الأهداف غير المعلنة في القمة هو مواجهة المنافسة الصناعية والتجارية المحمومة التي باتت تُعرف باسم طريق الحرير الصيني الجديد.
القمة الثالثة يعقدها حلف شمال الأطلسي في العاصمة الإسبانية مدريد أواخر الشهر الجاري وتدشن من جانب أول انقضاء 40 سنة على مشاركة إسبانيا في الحلف، كما تشهد من جانب ثانٍ مفاوضات شاقة لتذليل عقبة اعتراض تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف. وأما في الخلفيات الأبعد أو غير المعلنة فإن حرب روسيا في أوكرانيا لم تعد معضلة معقدة يتوجب أن يعالجها الحلف فحسب، بل صار اتساع نطاق العواقب كابوساً يمس ركائز وجود الأطلسي لجهة تنظيم الدفاع المشترك، ومواجهة احتمالات دخول الصين على الخط، والآثار الكارثية المتزايدة لمشكلات الطاقة والأغذية.
ثلاث قمم كونية كبرى إذن، شهدت في دورات سابقة تقارب خصوم هذه الأيام كما في انضمام روسيا إلى مجموعة الـ7 حتى صار اسمها الـ7+1 أو حتى الـ8، وكذلك التقارب بين الحلف الأطلسي والكرملين إلى درجة دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قمة الحلف في بوخارست سنة 2008، وليس مؤكداً أن قمة الـ»بريكس» لن تُخترق من الهندي نارندا مودي والبرازيلي جايير بولسونارو المقربين من واشنطن. وليست مبالغة والحال هذه أن تكون الحصيلة عجفاء عقيمة، وأن تسير على عكس ما هو معلن من عناية بالسلام العالمي وتنمية المجتمعات الفقيرة أو النامية أو متوسطة الدخل.
القدس العربي