الأتراك يواجهون محنة تضخم فاتورة الطاقة

الأتراك يواجهون محنة تضخم فاتورة الطاقة

اضطرت تركيا مجددا إلى تحميل المواطنين وقطاع الأعمال تكاليف تضخم فاتورة واردات الطاقة لمواكبة الارتفاعات في الأسواق العالمية، وسط ترجيحات بأن تعمق الخطوة معاناة الأتراك في ظل سياسات اقتصادية مثيرة للجدل يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على تطبيقها مهما كان الثمن باهظا.

إسطنبول – وصل قطار الحكومة التركية إلى محطة فاصلة في مواجهة الارتفاعات المتواترة في فاتورة الطاقة بإقرار زيادة جديدة في أسعار الغاز والكهرباء يتوقع أن تضاعف من أعباء المواطنين المختنقين بسبب الظروف الراهنة وأن تنسحب تأثيراتها على المصانع.

وذكرت شركة بوتاش الحكومية في بيان أن “السعر للمنازل زاد بنسبة 30 في المئة، ارتفع سعر الغاز الطبيعي المستخدم في الصناعة بنسبة 40 في المئة لمن يستهلك أقل من 300 ألف متر مكعب في السنة، وبنسبة عشرة في المئة لمن يستهلك أكثر من تلك الكمية”.

وألقت الشركة وهي المستورد الرئيسي للطاقة اللوم في ذلك على ما وصفته بأنه “عاصفة مكتملة الأركان” في الأسواق تغذي ارتفاع التضخم في البلاد والذي من المرجح أن يكون قد بلغ أعلى مستوياته في 24 عاما الشهر الماضي.

ويرجح الخبراء أن يواجه الأتراك والشركات محنة تضخم فاتورة الطاقة بشكل أشدة قسوة في ظل تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية على أسواق الطاقة العالمية وسلاسل الإمدادات وخاصة المتعلقة بالغذاء.

وفعليا، تنتشر بين عامة الأتراك منذ أشهر حالة من التذمر الممزوج بالإحباط جراء غلاء المعيشة غير المسبوق، وقد زاد من وطأة متاعبهم السقوط الحر للعملة المحلية وباتوا معها عالقين في هذه المعضلة، بينما يكابدون لتغطية نفقاتهم اليومية.

وتأتي الخطوة بعد نحو أسبوعين فقط من زيادة مماثلة بلغت حوالي 35 في المئة، فيما تشكو فيه شركات قطاع الصناعة من أن زيادة الأسعار ستهدد نشاطها وستراكم الكثير من التحديات التي هي في غنى عنها خاصة وأنها لا تزال تعاني من تبعات الوباء.

نورالدين نبطي: مقتنعون بأن ارتفاع أسعار الاستهلاك سيكون مؤقتا
وبينما كانت تركيا، كما هو الحال في بقية دول العالم، تسعى للابتعاد عن تأثيرات الجائحة، تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية في جعل أسعار الطاقة وخاصة النفط الخام والغاز المسال تحلق إلى مستويات قياسية مما انعكس على الأسعار وتكاليف الإنتاج والشحن.

وتستورد البلاد، التي لا يدخر مسؤولوها جهدا في إظهار صواب سياساتهم الاقتصادية، جميع احتياجاتها من الطاقة تقريبا، مما يجعلها عرضة لمخاطر تقلبات الأسعار الكبيرة. وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة العالمية في الأشهر الأخيرة إلى زيادة تكاليف الواردات.

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد قال في فبراير الماضي إن حكومته “ستقدم دعما نقديا لنحو 4 ملايين أسرة لسداد فواتير الغاز الطبيعي مرتين سنويا، إلى جانب توسيع نطاق الدعم لتكاليف الكهرباء”.

وأثر ارتفاع أسعار الطاقة في شعبية أردوغان وحزبه العدالة والتنمية بسبب الضغوط الاقتصادية، حسب استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقررة في يونيو العام المقبل.

وأصبح التضخم الجامح وضعف قيمة العملة المحلية من العوامل التي تزعج أردوغان قبيل الانتخابات التي يعول عليها لتولي الحكم لفترة أخرى.

وقالت بوتاش إن “الناس يعرفون جيدا أن أثر العاصفة مكتملة الأركان في أسواق الطاقة العالمية والأوروبية ترك المستهلكين عرضة لارتفاعات هائلة في الأسعار”.

وأضافت أن “ارتفاعات الأسعار العالمية لم تُحمل بالكامل على المستهلك التركي، وإن أحدث رفع للأسعار مصمم بحيث يبقي الأثر على المستهلك عند أدنى مستوى”.

وفي مارس الماضي اضطرت الشركة لزيادة أسعار الغاز للمصانع بنحو 50 في المئة وللمنازل بنسبة 35 في المئة بعد أن وصل السعر المرجعي الأوروبي مستويات هي الأعلى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا ليقترب من 195 يورو للميغاواط/ساعة.

وبشكل منفصل، رفعت الهيئة المنظمة لسوق الكهرباء في البلاد أسعار الكهرباء بما يتراوح بين 15 و25 في المئة، وذلك وفق إعلان بالصحيفة الرسمية.

وأشارت بيانات التجارة الخارجية إلى أن تكلفة واردات الطاقة قفزت بنحو 135 في المئة خلال شهر أبريل الماضي بمقارنة سنوية لتصل إلى أكثر من 7.7 مليار دولار.

وحسب بيانات شهر أبريل، فقد سجل معدل التضخم السنوي نحو 70 في المئة. ومن المنتظر أن يصدر معهد الإحصاء التركي بيانات شهر مايو الجمعة.

7.7 مليار دولار قيمة واردات الطاقة في أبريل مرتفعة بنحو 135 في المئة بمقارنة سنوية

ومن المتوقع أن يكون التضخم قد زاد إلى 76.55 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ العام 1998، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية وضعف الليرة. ورجح مسح أجرته رويترز أن يبلغ 63.5 في المئة في نهاية العام.

وكان هبوط الليرة وتزايد أسعار الغذاء قد دفعا التضخم إلى أعلى مستوى له في عقدين، على الرغم من تخفيضات ضريبية للسلع الأساسية ودعم حكومي لبعض فواتير الكهرباء لتخفيف العبء على ميزانيات الأسر.

واستقر سعر الليرة على 16.4 ليرة للدولار الأربعاء، منخفضة بنسبة 20 في المئة منذ بداية هذا العام بعد تراجعها بنسبة 44 في المئة خلال العام الماضي بعد موجة غير تقليدية من تخفيضات أسعار الفائدة، التي ظلت منذ أكتوبر الماضي عند 14 في المئة، بطلب من أردوغان.

وبينما يجادل البعض بأن الليرة الأضعف تجعل المصدرين الأتراك أكثر قدرة على المنافسة في أسواق العالم، إلا أن الكثير من المجالات الصناعية المحلية تعتمد على المواد الخام المستوردة. وثمة شكوك في قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على البقاء صامدة.

وأثناء اجتماع لاتحاد البنوك المحلية الاثنين الماضي قال وزير المالية نورالدين نبطي إن “التوقعات تشير إلى أن معدل التضخم سيظل مرتفعا حتى نهاية العام” رغم أنه مقتنع بأن ارتفاع أسعار الاستهلاك سيكون مؤقتا.

وهذه النغمة لطالما رددها أردوغان والذي يجد نفسه في وضع أصعب من السابق من أجل وضع سياسات بديلة تجسدها حكومته بشكل واقعي لتفادي ما هو أسوأ. ويزعم الرئيس التركي أن انخفاض تكاليف الاقتراض سيعزز النمو، رغم أن الخبراء يرون أن العكس هو السبيل لترويض الأسعار المرتفعة.

ووفق المعطيات التي نشرها معهد الإحصاء مؤخرا، فإن الاقتصاد التركي نما خلال الربع الأول من هذا العام بواقع سبعة في المئة، وأن الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو 179.8 مليار دولار.

العرب