حان الوقت لبدء التفكير في نهاية اللعبة في أوكرانيا

حان الوقت لبدء التفكير في نهاية اللعبة في أوكرانيا

في العام 1942، حاول ونستون تشرشل إعداد الشعب البريطاني لصراع طويل. قال: “هذه ليست النهاية”، في إشارة إلى انتصار الحلفاء في مصر. “إنها ليست حتى بداية النهاية. لكنها ربما تكون نهاية البداية”. وعندما نفكر بهذه المعاني، ما المرحلة التي نشهدها الآن في الحرب الجارية في أوكرانيا؟
من المحتمل أننا في الوسط، كما يوضح جدعون روز، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف الكتاب الممتاز، “كيف تنتهي الحروب” How Wars End. ويشير روز إلى أن كل حرب تبدأ على غرار لعبة الشطرنج، بهجوم دراماتيكي ودفاع. وإذا لم تسفر تلك الإطلاقات الافتتاحية عن نصر حاسم، فإن الحرب تدخل مرحلة وسيطة، يحاول الطرفان خوضها للحصول على ميزة في ساحة المعركة. وقال لي روز: “خلال المرحلة الوسطى، لا يكون أي من الطرفين مهتما بالتفاوض لأن كل طرف يحاول الفوز بشكل مباشر وتعزيز موقفه في ساحة المعركة، بحيث يكون لديه بالتالي موقف أقوى يمكن من خلاله التفاوض”. وهذه هي الفترة التي تتصاعد فيها المشاعر، مما يجعل من الصعب المساومة.
أخيرًا، في مرحلة ما، يدخل المتقاتلون المرحلة النهائية من خلال أحد مسارين: إما أن يتحول مد الحرب بشكل لا رجعة فيه لصالح أحد الأطراف (كما حدث في العامين 1918 و1944)، أو أن تنشأ حالة من الجمود المنهك (كما حدث في كوريا في أواسط العام 1951). وأشار روز إلى أنه “عند هذه النقطة، يدخل الأطراف في مرحلة نهاية اللعبة، ويبدأون في المناورة حول التسوية النهائية”.
في هذه المرحلة المتوسطة التي نحن فيها الآن، يجب على الغرب أن يساعد أوكرانيا على تقوية موقفها. وتحتاج كييف إلى المزيد من الأسلحة والتدريب. وفي حين أن هناك حدودا حقيقية للمقدار الذي يمكن أن يستوعبه الأوكرانيون، فإنه يجب على واشنطن (وحلفائها في أوروبا والأماكن الأخرى) مضاعفة جهودهم. وهم في حاجة أيضا إلى مساعدة أوكرانيا على كسر الحصار الروسي حول أوديسا. وقد ركز الناس على انهيار الاقتصاد الروسي الذي يمكن أن يتقلص بنحو 11 في المائة هذا العام. لكن من المرجح أن ينكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة مذهلة تبلغ 45 في المائة في العام 2022. وما لم تتمكن الدولة من تصدير حبوبها من موانئها على البحر الأسود، فإنها قد تواجه كارثة اقتصادية لسنوات طويلة مقبلة.
وسوف تستمر هذه المرحلة الوسطى من الحرب لفترة طويلة على الأرجح. الآن، لا تمتلك روسيا ولا أوكرانيا القدرة لتحقيق فوز حاسم، وليس من المرجح أن تستسلم أي منهما بسهولة. وعلى المدى القصير، سيكون هذا في صالح روسيا التي سيطرت على جزء كبير من دونباس. ولأن الغرب لم يحظر بالكامل صادرات الطاقة الروسية، فقد استفادت الحكومة الروسية بالفعل خلال هذه الحرب. وتتوقع وكالة بلومبيرغ أن تبلغ عائدات النفط والغاز الروسية لهذا العام حوالي 285 مليار دولار، مقارنة بـ236 مليار دولار العام الماضي. وفي غضون ذلك، يمكنها الآن إحباط قدرة أوكرانيا على التصدير. وعلى المدى الطويل، على المرء أن يأمل في أن تضر العقوبات بروسيا أكثر مع استمرار الحرب. وفي الوقت نفسه، تتمتع أوكرانيا بمساعدة غربية هائلة، ومعنويات عالية واستعداد للقتال حتى النهاية.
على الرغم من أننا لم نصل إلى المراحل النهائية من الصراع بعد، سيكون من الذكاء بالنسبة لأوكرانيا أن تبدأ في التفكير في نهاية اللعبة. وبهذه الطريقة، يمكنها تطوير موقف متماسك وترتيب استراتيجيتها حوله وكسب الدعم الدولي. وقد تعرض وزير الخارجية السابق، هنري أ. كيسنجر، لانتقادات بسبب اقتراحه أن كييف لا ينبغي أن تسعى إلى ما هو أبعد من خطوط ما قبل 24 شباط (فبراير) في ساحة المعركة. وفي الواقع، يبدو من غير المحتمل في هذه المرحلة أن تتمكن أوكرانيا حتى من استعادة كل تلك الأراضي بالقوة، على الرغم من أنها يجب أن تستمر في المحاولة. ولكن يبدو من الحكمة أن تجعل هذا هدفها -تقويض المكاسب في الأراضي التي حققتها روسيا من هذا العام. ثم يمكن أن تحاول كييف بعد ذلك استعادة الأراضي التي فقدتها قبل ذلك في العام 2014 من خلال المفاوضات. وقد اقترح الرئيس فولوديمير زيلينسكي عدة مرات شيئًا مشابهًا. ومن شأن هذا الهدف أيضاً -العودة إلى ما قبل خطوط 24 شباط (فبراير)- أن يساعد على حشد أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي.
في المرحلة الأخيرة من الحرب، سيصبح الغرب -والولايات المتحدة على وجه الخصوص- اللاعبين المحوريين. في الوقت الحالي، تقاتل روسيا أوكرانيا بشكل مباشر. ولكن، إذا -وعندما- يصبح الصراع نوعا من الجمود، فإن الصراع الحقيقي سيكون بين روسيا والغرب. ما الذي ستقدمه روسيا للحصول على تخفيف للعقوبات؟ ما الذي سيطالب به الغرب لإنهاء عزلة روسيا؟
حتى الآن، تجنبت واشنطن هذا الموقف، موضحة أن الأمر متروك للأوكرانيين لتقرير ما يريدون، وأن واشنطن لن تتفاوض من فوق رؤوسهم. وهذه هي الرسالة الصحيحة للدعم العام، لكن أوكرانيا وشركاءها الغربيين في حاجة إلى صياغة مجموعة من أهداف الحرب المشتركة، وتنسيق الإستراتيجية حولها، واكتساب الدعم الدولي واستخدام كل النفوذ الذي لديهم لتحقيق النجاح. ويجب أن يكون الهدف هو استقلال أوكرانيا، والسيطرة الكاملة على ما لا يقل عن مساحة الأراضي الأوكرانية كما كانت قبل 24 شباط (فبراير)، مع تقديم بعض الالتزامات الأمنية من الغرب.
أما البديل عن نوع من التسوية التفاوضية فسيكون حربا لا نهاية لها في أوكرانيا، والتي من شأنها أن تزيد من تدمير ذلك البلد وشعبه الذين فر أكثر من 5 ملايين منهم بالفعل. وسوف تتفاقم الاضطرابات الناتجة في إمدادات الطاقة والغذاء والاقتصاد في كل مكان، مع اشتداد الاضطرابات السياسية في جميع أنحاء العالم. ويستحق الأمر بالتأكيد البحث عن نهاية للعبة لتجنب هذا الذهاب إلى مثل هذا المستقبل القاتم.

الغد