اجتمع كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كني في العاصمة القطرية الدوحة يوم 28 يونيو (حزيران) مع المنسق الأوروبي للمفاوضات النووية إنريكي مورا، إذ اتفقت طهران وواشنطن على إعادة بدء المحادثات النووية غير المباشرة المتوقفة منذ مارس (آذار)، لكنها انتهت من دون التوصل إلى نتيجة إيجابية، فهل يعني ذلك انسداد آفاق التوصل إلى تفاهمات بين إيران والولايات المتحدة؟
كان منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعلن الأسبوع الماضي استئناف المحادثات بعد اجتماعاته مع المسؤولين الإيرانيين في طهران، وذلك بعد توقف دام ثلاثة أشهر من جولات غير حاسمة في فيينا. ووصل المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي إلى قطر لإجراء مباحثات غير مباشرة بوساطة من الاتحاد الأوروبي هذه المرة من دون حضور بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة.
ولقي نبأ الاستئناف ترحيباً من قبل التيارات المعتدلة والمحافظة على حد سواء، ولكن ذلك لم يجعل البعض يفرط في التفاؤل، في حين كان للتيار المتشدد خطابه الذي اعتبر أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن تعطل المحادثات، وأن وعود واشنطن بالتقيّد بالتزاماتها هي التي أقنعت طهران بدخول الجولة الجديدة.
المحادثات التي أعلن عنها في الدوحة استبقتها تحركات رتبت لها، منها لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره الإيراني الأسبوع الماضي فقط. كما اجتمع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع المرشد الإيراني علي خامنئي، المسؤول عن اتخاذ قرارات السياسة الخارجية.
وانتهت محادثات الدوحة إلى لا شيء، وما منعها من الوصول إلى نتائج هو إصرار الولايات المتحدة على مسودتها المقترحة في محادثات فيينا، التي لا تشمل أي ضمانات للمنافع الاقتصادية الإيرانية، في حين تريد طهران الحصول على ضمانات بأنها ستستفيد اقتصادياً من الاتفاق.
الأمر الجديد هنا أن إيران لم تعُد تنظر إلى شطب “الحرس الثوري” من قائمة المنظمات الإرهابية كشرط لعودتها إلى الصفقة، وأنه لم يكُن شرطاً في المقام الأول، بل إن القضايا العالقة هي نطاق تخفيف العقوبات والضمانات بأن إيران ستستفيد من استعادة الاتفاق.
إيران التي عاشت الأسابيع الماضية اضطرابات داخلية على خلفية الاحتجاجات المستمرة، سواء العفوية أو التي انطلقت من بعض الجهات المنظمة، تريد استعادة الاتفاق وانتزاع مزيد من التنازلات من الولايات المتحدة حتى تتمكن من بيع استعادة الصفقة للمتشككين في جدواها من جهة، وللمواطنين المتشككين في شرعية النظام السياسي.
ومع إلقاء طهران وواشنطن اللوم على بعضهما بعضاً في فشل المحادثات، يبقى من غير الواضح متى أو ما إذا ستكون هناك جولة أخرى من المفاوضات، ولكن هل نتوقع أي محاولات أخرى مقبلة؟ محتمل جداً، والسبب في قول ذلك هو إن هناك تلاقياً في الظروف، الداخلية والخارجية للأطراف المعنية بإحياء الاتفاق النووي. ففي طهران، يسعى النظام بشدة إلى رفع العقوبات الأميركية والحصار الاقتصادي الذي حدّ من صادرات البلاد النفطية، وضاعت معه قيمة عملتها مقابل الدولار، التي أصبحت تساوي عشر قيمتها في ذلك الوقت من الاتفاق النووي لعام 2015 وزاد من فقر المواطنين، وقد تصاعد هذا كله إلى الاضطرابات الاجتماعية التي أدت إلى تآكل الاستقرار السياسي.
أما بالنسبة إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هناك إلحاح كبير لاستعادة الاتفاق بحيث يمكن إزالة العقوبات، ويمكن لاحتياطات النفط الإيرانية الهائلة دخول السوق العالمية مرة أخرى. كما يبدو أنه تم كسر حاجز المحادثات بين واشنطن وطهران، بحيث رفضت الأخيرة منذ بدء محادثات فيينا منذ أكثر من 11 شهراً التفاوض مباشرة مع واشنطن، وعلى الرغم من أن مباحثات الدوحة غير مباشرة هي الأخرى، إلا أن كونها اقتصرت على طرفين 2+1، بدلاً من بقية الأطراف الموقعة على اتفاق عام 2015، يعني أن مرحلة من محادثات ثنائية بين واشنطن وطهران قد تبدأ مجدداً وعلى خلفية ملفات أخرى.
من الواضح أن تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الأمن الدولي، ستحتم على جميع الأطراف البحث عن فرص جديدة للاتفاق لتخفيف الضغوط المتفاقمة للحرب الروسية.
اندبدنت عربي