أصدرت محافظة دمشق في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، المخطط التنظيمي التفصيلي رقم 106 الخاص ببعض المناطق في المدخل الشمالي لمدينة دمشق ومناطق أخرى تتبع للغوطة الشرقية بريف دمشق.
هو أمر اعتبرت أوساط المعارضة أنه استكمال لمخططات النظام السوري بالاستيلاء على أملاك المعارضين، وضمن سياسة التغيير الديمغرافي لتفتيت التركيبة السكانية المحيطة بدمشق، التي شهدت تظاهرات ومعارضة مسلحة ضد النظام خلال السنوات الماضية.
ويقضي المخطط التنظيمي الجديد “بتعديل الصفة العمرانية للمناطق العقارية جوبر، والقابون، ومسجد أقصاب، وعربين، وزملكا، وعين ترما من منطقة (ب) حماية و(س) زراعية داخلية و(ج) توسع سكني إلى (ي) مناطق قيد التنظيم وفق إعلان المحافظة”.
ووفقاً لوكالة أنباء “سانا” التابعة للنظام، فإن هذا التعديل التنظيمي لمحافظة دمشق جاء “وفق الحدود المبينة على المصور ومنهاج الوجائب، ونظام البناء الملحقيْن به لمنطقة جوبر.
ونقلت الوكالة عن مدير التنظيم والتخطيط العمراني في المحافظة، حسن طرابلسي، قوله إنه تم الإعلان عن المخطط التنظيمي لحي جوبر وما حوله في بهو مبنى المحافظة، ويمكن لأصحاب العلاقة الاطلاع عليه وتقديم الاعتراضات لمدة ثلاثين يوماً.
تنظيم يدشّن التغيير الديمغرافي
وترى منظمات حقوقية سورية ودولية أن إعادة تنظيم منطقة في ظل عدم وجود سكانها، تعزز فرضية “التغيير الديمغرافي”، وهو ما يحصل في القابون وجوبر وداريا وغيرها من المناطق، لأن معظم السكان وأصحاب العقارات غير موجودين، وليست لديهم القدرة على الوصول والاعتراض، لا على عمليات هدم وتجريف عقاراتهم التي تتم في ظل إغلاق كامل للمنطقة، ولا على المخططات التنظيمية الخاصة بمناطقهم.
وكان النظام السوري قد استكمل في منتصف مايو/ أيار الماضي تهديم ما تبقى من أبنية سكنية في حي جوبر التابع لمحافظة دمشق، إذ شهدت المنطقة تهديم وتجريف المباني السكنية المتهالكة، بفعل القصف الجوي، بعدما دخلت قوات النظام إليه، برفقة آليات هندسية ثقيلة، وجرافات.
ويتعلق الأمر تحديداً من جهة المتحلق الجنوبي قرب عقدة جوبر بجانب مدينة زملكا التابعة للغوطة الشرقية. وذكرت مواقع محلية وناشطون من المنطقة أنه تمت تسوية المنطقة بالأرض، وإزالة معالم الحي عقب تهجير أهله منه في السنوات السابقة.
وتمنع سلطات النظام أهالي حي جوبر من العودة إليه أو حتى الدخول إليه ولو لمرة واحدة، بقرار صادر عن محافظة دمشق العام الماضي.
ويُعتبر حي جوبر خالياً من السكان بشكل كامل تقريباً، منذ خروج قوات المعارضة والأهالي منه عام 2018 خلال عملية عسكرية لقوات النظام في المنطقة، بعد حصار محكم دام 5 سنوات.
استكمل النظام السوري تهديم ما تبقى من أبنية سكنية في حي جوبر في مايو الماضي
ورأى الناشط أحمد المحسن، من أهالي الحي في حديث مع “العربي الجديد”، أن المخطط التنظيمي الجديد خطوة تستهدف الاستيلاء قانونياً على أملاك أهالي الحي الذين غادروه مكرهين قبل سنوات إلى الشمال السوري ضمن اتفاق مع فصيل “فيلق الرحمن”، رعته روسيا، ولا يستطيع أحد منهم العودة والاعتراض على هذا المخطط خلال المدة التي حددتها المحافظة.
وأضاف المحسن أن إصدار مخطط لتنظيم منطقة في ظل غياب سكان هذه المنطقة، لا يحمل سوى معنى واحد، وهو وجود نية مبيتة للاستيلاء على أملاكهم، خصوصاً في ظل الحقد الكبير الذي تكنه أجهزة النظام الأمنية لسكان الحي، الذي صمد خمس سنوات أمام الحصار وعشرات المحاولات الفاشلة لاقتحامه، حتى سميت منطقة جوبر إضافة لداريا بالثقب الأسود لقوات النظام، لكثرة من فقدتهم من عناصر فيهما.
وأوضح أن معظم مباني الحي دمرت بالفعل بالكامل نتيجة القصف شبه اليومي من جانب طيران ومدفعية ودبابات النظام، فيما عمدت قوات النظام إلى تدمير ونسف ما تبقى من بيوت ومساجد ومعالم خلال السنوات الأربع الماضية، بحجة تدمير الأنفاق أو أنها مبان آيلة للسقوط وتجب إزالتها.
وأشار إلى إقدام محافظة دمشق والفرق الهندسية التابعة للنظام على تجريف المنطقة وإزالة الركام، بهدف تحويلها إلى منطقة خالية تماماً من أي أثر للبناء، وجاهزة لتنفيذ مخططاتها للتغيير الديمغرافي، بينما نجدها تتقاعس عن إزالة الأنقاض في مناطق أخرى، أهلها ينتظرون العودة إليها، ويستأجرون منازل في المناطق المجاورة.
سورية/سياسة/اشتباكات/(عامر المحباني/فرانس برس)
تقارير عربية
أين حي جوبر من هجوم النظام على الغوطة؟
وعلى غرار ما حصل في منطقة جوبر، تعرّضت منطقة القابون في المدخل الشمالي الشرقي لدمشق لعمليات هدم وتجريف انتقائية، شملت مناطق المعارضة فقط، واستثنت الأحياء العشوائية التابعة للقابون والتي يقطنها موالون للنظام، شكّلوا خلال المواجهات في السنوات الماضية مجموعات مسلحة، انخرطت لاحقاً في ما يسمى بـ”الدفاع الوطني”.
وبالإضافة للتدمير الناجم عن عمليات القصف من جانب قوات النظام خلال سنوات المواجهة مع مسلحي المعارضة حتى عام 2018، عمدت قوات النظام بعد تهجير سكان الحي ومسلحيه، بالتعاون مع محافظة دمشق، إلى إجراء عمليات هدم ممنهجة في حي القابون طاولت الأبنية التي لم تتهدم بالقصف، خصوصاً مناطق الجامع الكبير والنهر وعلوان والبعلة.
كما جرف النظام مقبرتي الشهداء، مزيلاً الأبنية العالية على جانبي الطريق الدولي دمشق – حمص، وذلك بحجة تدمير الأنفاق التي تركها مسلحو المعارضة. ووفق ناشطين، فإن بعض المناطق تضمّ أنفاقاً بالفعل، لكنها على أطراف الحي، وليست تحت الأبنية السكنية، كما يدّعي النظام.
ووفق تحقيق نشرته صحيفة “ذا غارديان” البريطانية في 23 مارس/آذار الماضي، بالشراكة مع “لايت هاوس ريبورتس” ووحدة الصحافة الاستقصائية السورية (سراج) وراديو “روزنا” المحلي، فقد جرت عمليات هدم شبه كامل لحي القابون الدمشقي، “بشكل لا يمكن التعرف عليه”، في وقت يعيش سكانه السابقون إما كنازحين أو لاجئين في الخارج.
واستعرض التحقيق الاستقصائي، الذي جمعت معلوماته على مدار عام كامل، كيف يسعى النظام لفرض تركيبة سكانية تناسب مخططاته التنظيمية، التي بدأ بإصدارها بعد عام 2017.
وكشف تحليل مفصل لصور الأقمار الصناعية، ومقاطع فيديو، وتغريدات من وزارة الدفاع التابعة للنظام، وفق ما جاء في التحقيق أن نصف حي القابون تقريباً تعرض للهدم بعد انتهاء المعارك أواخر عام 2017، بما في ذلك مبانٍ شاهقة، مثل مبنى العبود ومبنى الأوقاف اللذين يُعتبران من العلامات العمرانية المميزة والتي يعرفها سكان الحي.
اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن عمليات الهدم في القابون “جريمة حرب محتملة”
وأصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2012 مرسوماً حمل الرقم 66 “لتطوير مناطق المخالفات والعشوائيات في دمشق”، مثل القابون وجوبر وبرزة. وكشف التحقيق أنه وبعد اكتمال عمليات هدم البيوت وتفجير المساكن والأبنية، أصبحت الأرض في وضعية جهوزية لتنفيذ مشاريع تنظيمية، وصدر مرسوم رئاسي في سبتمبر/أيلول 2021 حمل الرقم (237)، ونصّ على إحداث “مناطق تنظيمية” في مدخل دمشق الشمالي، أي القابون وحرستا.
ويغطي المخطط نحو 200 هكتار (2 مليون متر مربع)، من مناطق القابون وحرستا، وذلك لإقامة مشروع يضم أبراجاً سكنية وتجارية وخدمية، إضافة إلى مبانٍ استثمارية ومستشفيات ومدارس ومراكز خدمية للمدينة.
هدم البيوت… جرائم حرب محتملة
واعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن عمليات الهدم في القابون “جريمة حرب محتملة”، وعمليات غير قانونية ولا يوجد سبب عسكري كاف لهدم البيوت، وأن القانون الدولي يحظر التدمير الجائر للممتلكات.
وقبل الثورة السورية عام 2011، كانت القابون منطقة صناعية وسكنية، تنتشر فيها مئات المعامل الخاصة أو التابعة للقطاع العام، فيما يقطنها سكانها الأصليون، بالإضافة إلى وافدين من مختلف المحافظات السورية، ممن سكنوا في أحياء عشوائية بُنيت على عجل على أطراف الحي الأصلي، وتوزعت على أسس طائفية وجغرافية.
وانحاز القادمون من إدلب وبعض المناطق الأخرى، للثورة، وشكّلوا مجموعات مسلحة، فيما شكّل الموالون للنظام والذين استوطنوا في حي تشرين التابع للقابون، مليشيات مسلحة ساندت قوات النظام في قمع المحتجين.
واللافت أن الأحياء العشوائية التي سكنها هؤلاء لم تتعرض للهدم، بما في ذلك حي عش الورور التابع لمنطقة برزة، والذي شكّل سكانه أيضاً مليشيات مسلحة، ويرفضون طلب سلطات النظام منهم تسليم أسلحتهم، مستندين إلى دعم يتلقونه من ضباط كبار في قوات النظام وأجهزته الأمنية، كما قال الناشط محمد البرزاوي.
وأضاف البرزاوي في حديث مع “العربي الجديد” أنه من غير المعروف ما إذا كانت هذه المخططات الصادرة عن محافظة دمشق ستشمل مناطق المخالفات التي يقطنها الموالون للنظام، لكن حتى لو شملتها، فلا يمكن مقارنة وضع سكانها بالسكان الأصليين لتلك المناطق، لعدة أسباب، أهمها أنهم أصلاً لا يملكون هذه الأراضي، بل استولوا عليها خلال العقود الماضية بفضل صلاتهم مع النظام.
والسبب الثاني مرتبط بترجيح خضوع المحافظة لابتزازهم، والتي تقدّم لهم تعويضات أو سكناً بديلاً، الأمر الذي حُرم منه السكان الأصليون، الذين هُدّمت ممتلكاتهم، وتمّ الاستيلاء على أراضيهم، لأن النظام يعتبرهم معارضين له، أو حاضنة شعبية للمسلحين الذين قاتلوا جنوده خلال السنوات الماضية.
العربي الجديد