ذكر الباحث الأمريكي مارك إبيسكوبوس، أنتخلي القوات الروسية عن جزيرة الثعبان الموقع الأمامي الاستراتيجي، أثار تساؤلات بشأن أهداف موسكو من الحرب، في الوقت الذي دخل فيه الصراع في أوكرانيا شهره الخامس.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف قد أعلن يوم الخميس الماضي، أن الجيش الروسي قد انسحب من جزيرة الثعبان.
وأضاف: “في الثلاثين من شهر حزيران/ يونيو الماضي، وكإيماءة لحسن النوايا، أكملت قوات الاتحاد الروسي مهامها المسندة إليها في جزيرة الثعبان وانسحبت من هناك”.
وتابع: “بالتالي، تم التوضيح للمجتمع الدولي أن الاتحاد الروسي لايتدخل في جهود الأمم المتحدة لتنظيم ممر إنساني لصادرات المنتجات الزراعية من الأراضي الأوكرانية”.
وكانت القوات الروسية قد استولت على جزيرة الثعبان الأوكرانية، الواقعة جنوب غرب ميناء أوديسا، في المراحل المبكرة للحرب الأوكرانية.
وقال إبيسكوبوس في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إن القوات الروسية تصدت بنجاحلسلسلة من المحاولات من جانب القوات المسلحة الأوكرانية لاستعادة الجزيرة خلال شهر أيار/ مايو الماضي، وقال خبراء إن الإمدادات الأخيرة من مدافع الهاوتزر والصواريخ الغربية المضادة للسفن قد جعلت الكفة تميل لصالح كييف.
وصوّر الكرملين الانسحاب المفاجئ للقوات الروسية من الجزيرة على أنه إيماءة لحسن النوايا تهدف إلى تخفيف أزمة انعدام الأمن الغذائي العالمي، ولكن لم تكن هناك أي إشارة مسبقة إلى أن موسكو كانت تبحث خططا لاتخاذ مثل هذه الخطوات. وعلاوة على ذلك، لا يبدو القرار متسقا مع الموقف الذي اتخذه مسؤولون روس في محادثات جارية بشان صادرات الحبوب.
وقد صوّرت روسيا على نحو مستمر أزمة الجوع الوشيكة على أنها في الأساس بسبب نظام العقوبات الغربية الذي تم فرضه عقب غزو روسيا لأوكرانيا.
ورفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مزاعم المسؤولين الأوكرانيين والغربيين التي مفادها أن حصارا بحريا تفرضه روسيا يمنع ملايين الأطنان من الحبوب من مغادرة الموانئ الأوكرانية، دافعا بالقول في مقابلة نشرت حديثا، إن أوكرانيا لها الحرية في أن تسلك طرقا بديلة لتصدير الحبوب عبر بولندا ورومانيا وبيلاروس.
وترفض كييف تفسير موسكو للأحداث، زاعمة بدلا من ذلك أنها طردت القوات الروسية من الجزيرة بعد هجوم ليلي مكثف تردد أنه كلف روسيا معدات عسكرية بمئات الملايين من الدولارات.
ورحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بهذا التطور بوصفه انتصارا، معلنا أن جزيرة الثعبان “حرة مرة أخرى”.
ولا يبدو أن الجيش الأوكراني الذي استخدم موارد هائلة منذ بدء الحرب لطرد روسيا من جزيرة الثعبان، لديه أي خطط فورية لحماية الأراضي البحرية الصغيرة.
والجزيرة أرض مشاع في الوقت الحالي، بينما يحتفظ أسطول البحر الأسود الروسي بالسيطرة على جزء كبير من ساحل أوكرانيا على البحر الأسود.
وقال النائب بالبرلمان الروسي أليكسي شيرنياك يوم الجمعة الماضي، إن جزيرة الثعبان لا تزال تحت السيطرة الروسية، بمعنى أنها لا تزال في مرمى المنظومات الصاروخية الروسية والسفن الحربية القريبة، مما يمنع أوكرانيا من استرجاعها بالفعل لسيادتها.
وذكر إبيسكوبوس أن فقدان جزيرة الثعبان كنقطة انطلاق للمضي قدما إلى الأمام ما زال بمثابة ضربة لقدرة روسيا على تهديد أوديسا، و يحرم موسكو من وسائل رئيسية للسيطرة على خطوط شحن الحبوب الأوكرانية ويمنع احتمال استخدام الجيب، الذي كانت تسيطر عليه روسيا، والذي ترددت تقارير أن الجيش الروسي كان يعتزم تعزيزه بمنظومات صواريخ أس 400 بعيدة المدى، لممارسة الضغط على الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
وليس هناك ما يشير إلى أن التخلي عن جزيرة الثعبان قد دفع موسكو لمراجعة أهدافها من الحرب، والتي ظلت بشكل كبير غير واضحة منذ اندلاع الغزو الروسي في الرابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي.
ويقول خبراء إن الكرملين أعلن عن أهدافه الرئيسية بعبارات غامضة عن عمد، حيث أشار بوتين إلى النزاع على أنه “عملية عسكرية خاصة ” تهدف إلى “القضاء على النازية” و”نزع السلاح” لكي يضع الأساس لمجموعة كبيرة من السيناريوهات المحتملة في نهاية النزاع والتي يمكن تقديمها للشعب الروسي كنصر حاسم على أوكرانيا والغرب.
وفي شرق أوكرانيا، يبدو أن هجوم روسيا في دونباس ينجح بشكل بطيء، في الوقت الذي تقترب فيه أكثر القوات الروسية وقوات الانفصاليين المتحالفين مع روسيا من طرد الجيش الأوكراني من المنطقة.
وتواصل القوات الروسية الضغط على أوديسا، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها واحدة من المكاسب الرئيسية للحرب مع تصعيد مميت للهجمات الجوية.
وتوقع سياسيون ومعلقون روس، استنادا إلى خطط ناقشها مسؤولون عسكريون كبار، أن محور أوديسا قد يصبح جبهة الحرب الجديدة بعد دونباس.
واختتم إبيسكوبوس تقريره بالقول إنه ليس هناك أي شيء يشير إلى أن فقدان جزيرة الثعبان التي اعتبرتها موسكو انتكاسة عابرة في أسوأ الأحوال، قد قلبت هذه الأهداف المعلنة للحرب رأسا على عقب.
الشرق الاوسط