اذا صحت الانباء المتسربة عن لقاءات ومباحثات وفد العشائر العراقية الذي يزور واشنطن الآن بدعوة من ادارة الرئيس باراك اوباما وتفيد بأن هذه الادارة اعربت عن نيتها تشكيل “قوات سنية” قوامها مئة ألف مقاتل تتولى تسليحها وتدريبها بمعزل عن الحكومة العراقية للتصدي لقوات “الدولة الاسلامية”، وتولي مهمة اخراجها من المناطق التي تسيطر عليها، فإن هذه الخطوة تعني تكريس تقسيم العراق على اسسس طائفية وعرقية، والتأسيس لحرب اهلية في مرحلة لاحقة.
ادارة الرئيس اوباما تتصرف هذه الايام وكأنها الحكم الفعلي للعراق رغم انسحاب قواتها، وانتخاب حكومة عراقية، والا كيف تدعوا وفدا من العشائر وقادة التنظيمات “الميليشاوية” الى عاصمتها، وتبحث معهم تشكيل هذا الجيش وتسلحه وتدربه، تماما مثلما تتعاطى، وبقرار من الكونغرس، مع قوات “البشمرغة” الكردية في شمال العراق؟ وكيف تقبل حكومة السيد حيدر العبادي في بغداد ان تجري هذه الامور الخطيرة امام بصرها وكأنها شاهد زور؟
اخذ ادارة واشنطن زمام المبادرة بالصورة التي نراها، والتفكير في تشكيل جيش من الطائفة السنية لمحاربة “الدولة الاسلامية” هو عودة مباشرة الى تجربة قوات الصحوات سيئة الصيت، وتغيير المسمى فقط، اما المهمة واحدة، والنتيجة ايضا ربما ستكون نفسها.
الجنرال ديفيد بترايوس “مخترع″ هذه الصحوات عام 2007 لتصفية تنظيم “القاعدة” والحد من انشطته الدموية التي بلغت ذروتها في حينها من خلال استخدام السيارات المفخخة وتحويل مدينة بغداد وجوارها الى جحيم عنوانه ثلاثة آلاف قتيل شهريا، وثلاثة اضعاف هذا الرقم من الجرحى، هذا الجنرال يتبنى تجربته حرفيا زميله الجنرال المتقاعد جون الين المبعوث والمستشار العسكري للرئيس اوباما في العراق وسورية.
السيد العبادي رئيس وزراء العراق الذي قدم نفسه على انه الرجل الذي سيوحد العراق ويكرس هويته الجامعة، ويمحو كل اخطاء سلفه السيد نور المالكي الطائفية الكارثية، تحدث عن تشكيل قوات “حرس وطني” من ابناء القبائل والعشائر تكون بمثابة “صحوات” حكومية، ولكن بداياته لم تكن موفقه بسبب عدم نجاحه (حتى الآن) في تقديم نفسه وحكومته كبديل مختلف يطمئن ابناء الطائفة السنية ويكسب ثقتهم، ويستوعبهم في الدولة ومؤسساتها على قدم المساواة مع اشقائهم من ابناء الطائفة الشيعية.
صحيح ان السيد العبادي ورث تركة ضخمة من الفساد والفاسدين معظمها يتركز في المؤسستين العسكرية والامنية، وكان جريئا عندما اعلن يوم امس انه اكتشف وجود 50 الفا من الجنود “الوهميين” في اربع فرق عسكرية يقبضون رواتبهم وهم في منازلهم، ولكن الرجل لا يملك “الكاريزما” التي تجعله يكسب ثقة معظم العراقيين، ويتصدى الى خطر غير مسبوق يتمثل في “الدولة الاسلامية”.
الادارة الامريكية التي يجمع معظم المحللين العسكريين والسياسيين في واشنطن وعواصم اوروبية على تخبط استراتيجيتها العسكرية في الشرق الاوسط وفشلها، وتخطط للانتقال من الدفاع الى الهجوم في حربها ضد “الدولة الاسلامية”، وباتت تميل اكثر الى قبول شروط الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اقامة مناطق عازلة، واخرى لحظر جوي وتدريب المعارضة السورية المسلحة، فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” اليوم (الاثنين) ان ادارة اوباما باتت على وشك التوصل الى اتفاق مع الحكومة التركية لاقامة مناطق الحظر المذكورة على طول الحدود السورية التركية.
اقتراب الادارة الامريكية من الموافقة على الشروط التركية للدخول في الحرب ضد “الدولة الاسلامية” بريا وجويا، يعني توسيع نطاق هذه الحرب بحيث تشمل الهدف القديم الجديد اي اسقاط النظام السوري ايضا، لان الرئيس اردوغان لا يمكن، مثلما قال في اكثر من مناسبة لن يدخل اي حرب ضد “الدولة الاسلامية” طالما لم تشمل موافقة امريكية على اطاحة النظام السوري.
الاستراتيجية الهجومية الامريكية قد تؤدي الى توسيع نطاق الحرب وعدم الاستقرار في المنطقة، وهذا ما يفسر مطالبة السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية اصدقاء بلاده الروس اثناء زيارته الاخيرة لموسكو (انتهت الخميس الماضي) بتسليم صواريخ “اس 300″ المضادة للطائرات تحسبا لاقامة مناطق الحظر الجوي.
العام الميلادي الجديد الذي نقف على اعتابه ربما يكون مختلفا عن العام الحالي فيما يتعلق بالملفين السوري والعراقي، عنوانه اقامة جيوش طائفية وتكريس الانقسامات المذهبية الحالية.
العنصر الرئيسي الذي يمكن ان يكون عنوان نجاح الاستراتيجية الامريكية او فشلها هو صمود “الدولة الاسلامية” او عدمه، وثقة ابناء الانبار والمحافظات العراقية الاخرى بمشروع الصحوات الامريكي الجديد وهم الذين لدغوا من الحجر نفسه قبل ذلك.
لا نضيف جديدا اذا قلنا ان المهمة الامريكية محفوفة بالمخاطر، ولكن الجديد الذي نقوله بكل ثقة ان التورط الامريكي في الملفين العراقي والسوري لا يمكن ان يكون افضل حالا من سابقه، واسقاط النظام السوري ليس بالسهولة التي يعتقدها الرئيس اردوغان وهزيمة “الدولة الاسلامية” ليست واردة في المستقبل المنظور لانها تزداد قوة، وفشل التحالف الامريكي يخدمها، مثلما تخدمها حالة فوضى السلاح التي تجتاح المنطقة.
عبد الباري عطوان: رأي اليوم
http://goo.gl/MQXdDd
كلمات مفتاحية : العراق،العشائر العراقيةامريكا،باراك اوباما، جيش سني،تقسيم العراق،الدولة الاسلامية،سويا،تركيا،اردوغان.