في خضم التدهور الشامل للأوضاع في العراق وإصرار أحزاب السلطة على التمسك بالسلطة رغم عجزها وفشلها في إدارة البلد لعقدين، وآخرها تأخير تشكيل حكومة بعد ثمانية أشهر من الانتخابات، يتبلور حراك وطني وشعبي معارض داخلي وخارجي، عبر عقد العديد من المؤتمرات، لبلورة قوة وطنية تنقذ البلاد وتجد الحلول لأزماتها المزمنة بعيدا عن أحزاب السلطة ونهجها في المحاصصة وتقاسم المناصب وسعيها وراء نهب المزيد من ثروات البلد وربطها بالأجندات الخارجية.
وفي هذا السياق أعلنت جماعة عراقية، قبل أيام، تأسيس «الجبهة العراقية الوطنية للمعارضة» بعد مؤتمر لها في الولايات المتحدة، ضم نخبة من الشخصيات السياسية والإعلامية والفنية العراقية، التي أعلنت وضع الأسس لعمل المعارضة وتوسيع قاعدة العمل الوطني السليم، بناء على ثوابت ومصالح الشعب العراقي في الخلاص من العملية السياسية الفاسدة، فيما أشار المشاركون في المؤتمر إلى مسؤولية أحزاب السلطة عن تدهور الأوضاع وضرورة التغيير، فيما أدانوا التدخل الإيراني في شؤون العراق بعد 2003.
وخاطب المتحدث باسم المؤتمر الدكتور والمحلل السياسي أحمد الأبيض، العراقيين في تغريدة: «لقد أنجز أخوتكم بالجبهة العراقية الوطنية للمعارضة وعدهم إليكم وعقدوا مؤتمر إعلان تأسيسها رغم الظروف الصعبة والتحديات، ونجح نجاحاً مبهراً وسوف ننشر وقائع المؤتمر قريبا» وأضاف «انها الخطوة الأولى في طريق تحرير العراق».
وجاء الإعلان عن تأسيس الجبهة العراقية للمعارضة، متزامنا مع دعوات سياسية وشعبية داخلية لحل البرلمان وإجراء انتخابات عامة وتشكيل معارضة قوية، تقودها القوى الوطنية وناشطو تشرين والمستقلين ومنظمات المجتمع المدني، لجمع المعارضة وتوحيدها عبر عقد المؤتمرات واللقاءات، لإيجاد مخرج سياسي للأزمات المعقدة التي تخنق العراق منذ سنوات، بعد اليأس من العملية السياسية الفاشلة.
وضمن هذه المحاولات، وبعيدا عن صراع أحزاب السلطة على تشكيل الحكومة المقبلة، عقد في بغداد قبل أيام، المؤتمر الخاص بالأحزاب المدنية والناشئة، للإعداد لمؤتمر وطني واسع.
وذكر بيان صدر عن اللقاء، أن «المجتمعين اتفقوا على أهمية تنسيق المواقف وتوحيد جهود العمل من أجل الخلاص من نهج المحاصصة، وطرح البديل السياسي الديمقراطي» وأضاف، أن «الاجتماع شدد على ضرورة تفعيل العمل المشترك بين القوى المجتمعة والنواب المستقلين لبناء مسار سياسي يفضي إلى معالجة جذرية للأزمة الراهنة».
وتابع أن «الحاضرين أجمعوا على الإعداد لمؤتمر وطني واسع لقوى التغيير يؤسس لبناء البديل السياسي الديمقراطي الذي يتطلع إليه أبناء شعبنا، ودعوة القوى الوطنية والنواب المستقلين ونواب الحركات الناشئة إلى المشاركة الفاعلة في هذه الوجهة لتحقيق التغيير المنشود».
وحسب البيان، فإن القوى التي شاركت في الاجتماع هي: «الحزب الشيوعي العراقي، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، وحزب البيت الوطني، وحركة نازل آخذ حقي، وحركة الامة العراقية، وحزب الوعد، وحراك البيت العراقي، وحركة تشرين الديمقراطية» إضافة إلى بعض النواب ومنهم سجاد سالم، وداوود العيدان، ونيسان الزاير، ونداء حسن ماضي، ومحمد نوري ، وآخرون.
لقاءات مكثفة للمعارضة
ووسط حراك واسع ولقاءات بين القوى الوطنية المعارضة، جاء تجديد تحالف «من أجل الشعب» الذي يضم أكبر حركتي معارضة برلمانية، ليؤكد «تمسكه بمبدأ المعارضة في مجلس النواب، ورفضه المشاركة في تشكيل حكومة المحاصصة».
وقال التحالف في بيان، صدر قبل أيام، إنه «انطلاقاً من موقف تحالف من أجل الشعب وايمانه العميق بالتغيير الحقيقي المنشود بإدارة الدولة العراقية وتأكيداً لمنهجه ومبادئه الراسخة برفض كل أشكال المحاصصة الطائفية والقومية وسعي تحالفنا إلى انتشال بلدنا وشعبنا من مستنقع الفشل المترتب على هذه المحاصصة والعبور به إلى شاطئ الوطنية الحقة لإدارة الدولة التي بدونها لا يمكن أن ينعم شعبنا بالحياة الحرة الكريمة، ومنذ انبثاق تحالفنا أكدنا وباستمرار على النهج الوطني بإدارة الدولة بعيداً عن كل المسميات الثانوية، لذا ومن هذا المنطلق يرفض تحالف من أجل الشعب المتمثل بحركة امتداد وحراك الجيل الجديد دعوة أية جهة من شأنها إعادة تجارب الفشل السابقة في حكومات المحاصصة».
وحذر التحالف، «من أن هذا البرلمان قد انبثق في أعقاب ثورة عظيمة كانت رافضة لكل أشكال المحاصصة والطائفية والعرقية وقد سالت الدماء من أجل أن يستعاد هذا الوطن من براثن الفساد والفاسدين، فليس من المعقول أن تنبثق منه حكومة قائمة على المحاصصة وتوزيع المغانم مرة أخرى».
وتحدثت رئيسة كتلة الجيل الجديد سروة عبد الواحد، لـ «القدس العربي» بأن حركتها لديها تواصل مع جميع القوى السياسية الناشئة، والقوى المدنية والليبرالية، و«اجتماعاتنا متواصلة، ونسعى لعقد اجتماع موسع تحت عنوان تكثيف الجهود من أجل ان يكون لنا موقف إزاء كل ما يجري في العراق» وأكدت عبد الواحد ان «الوضع السياسي معقد، لذا تواصلنا مع عدد من القوى المدنية والناشئة، وانشاء الله في الأيام المقبلة سيكون هناك موقف موحد لكل هذه القوى».
ويذكر ان «تحالف من أجل الشعب»(يضم 28 نائبا)، الذي تم إنشاؤه عام 2021 ويمثل المعارضة داخل البرلمان، أعلن «رفضه المشاركة في الحكومة المقبلة، والركون إلى المعارضة القوية داخل البرلمان، والعمل على خدمة المواطن والدفاع عن حقوقه».
أما رائد فهمي، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، فأشار إلى «الظروف بالغة الصعوبة والأزمات المحتدمة التي تمر بها البلاد، وازدياد معاناة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتردي الخدمات وتدهور الظروف البيئية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي وتغول الفساد ومنظوماته وامتداده إلى جميع مفاصل الدولة، إضافة إلى الانتهاكات المستمرة للسيادة الوطنية وللقرار الوطني المستقل». وأوضح فهمي أن منظومة الحكم التي أفرزتها المحاصصة الطائفية والإثنية تشهد أزمة مركبة وشاملة تفاقمت آثارها لتزعزع أركان البناء الدستوري للنظام السياسي.
شروط نجاح المؤتمرات الوطنية
الدكتور قحطان الخفاجي، التدريسي في جامعة النهرين والناشط البارز، تحدث لـ«القدس العربي» تعليقا على مؤتمرات المعارضة في الداخل والخارج، «ان باب خدمة الوطن مفتوح أمام كل مجتهد، وان الغاية الأساسية لأي تجمع وطني أو أي مسعى باتجاه بلورة جبهة وطنية جامعة، هو خلاص عراقنا مما يعاني وإنهاء الأسباب التي أدت إلى تردي حال البلاد والعباد» مشددا على ان «باب الاجتهاد مفتوح لخلاص الوطن من التحكم الخارجي والجهات والكتل الطائفية والمأجورة والعملية السياسية العوجاء الطائفية الفاشلة».
وأكد الخفاجي انه لتحقيق هذه الغاية يجب وضع معايير أهمها «ان كل جهد عراقي في الداخل أو الخارج مرحب به، طالما كان عملا واقعيا متكاملا وطنيا حرا، يأخذ بأسباب خلاص العراق وضمن ثوابت ثورة تشرين، التي تؤكد ضرورة إلغاء العملية السياسية الطائفية العوجاء ومحاسبة فاسديها وملاحقة قتلة الثوار، وإعادة النظر بكل التشريعات بعد 2003». مع الاهتمام «بتحريم التعامل مع كل من ارتبط بالاحتلال الأمريكي وطبل له، ومن ارتبط بأي طرف دولي، ومنهم أذرع إيران، وكذلك كل من تورط بالدم العراقي والاقتتال الطائفي، أو ثبت عليه ملفات فساد ونهب للمال العام» .
وذكر الخفاجي، ان «على الراعين للمؤتمرات الوطنية ان لا يظنوا ان الولايات المتحدة أو الدول الأخرى، هي مؤسسة خيرية، مع أهمية ان لا يحصروا مساعيهم بناء على رغبة العراقيين فحسب، وإذا اضطر الوطني الساعي للتغيير لنوع من العلاقة أو التلاقي مع قوى دولية، فيجب ان تكون مصلحة الوطن أولا».
ودعا إلى «مراعاة الموقف الوطني للأشخاص والسعي العملي لاعتماد البعد الجماعي للقيادة من حيث المنطقات النظرية ليكون الحضور الوطني الميداني يعاضد البعد في التفكير الاستراتيجي، وان أي مقترح إيجابي للوطن، يجب ان لا يقدم على انه إنجاز فردي، بل يجب السعي للقيادة الجمعية».
وكان للخفاجي مؤخرا، العديد من التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي، أكد خلالها ان «العراق على أعتاب صفحة جديدة لثورة تشرين الوطنية، صفحة تكمل المشوار الحر للخلاص، بإزالة عملية الذل السياسية» كما وجه الناشط «دعوة للجهوزية والاستعداد بعد صعود خاسري الإطار التنسيقي وانحياز كثير من الناشطين للفاسدين بالتزامهم الصمت أو التأييد لحكومتهم المرتقبة، لم يبق لدينا نحن الشعب المظلوم المضطهد سوى خيار واحد هو إسقاط البرلمان». فيما حذر الخفاجي من «ربط رفضكم للعملية السياسية الطائفية ودعواتكم للتغيير، باسم أي كتلة من الكتل السياسية، فكلها فاسدة، وقد خرجتم لتغييرها، فذكر أي جهة وبأي شكل سيحسب ميلا لها».
تظاهرات ومنشورات معارضة
وإذا كان الحراك لتشكيل معارضة فاعلة يتصاعد، فإن مؤشرات أخرى، عكست غليان شعبي وحراك قادم ضد تدهور الأوضاع وتعمق الأزمات. ولعل التظاهرات الاحتجاجية اليومية التي أخذت في التصاعد والانتشار في العديد من المحافظات وخاصة جنوب ووسط العراق، جراء تزايد الأزمات وخاصة كارثة الجفاف المدمرة، ونقص خدمات الماء والكهرباء وتفشي البطالة والمخدرات والجريمة واستمرار حيتان الفساد في نهب ثروات البلاد، كلها عوامل داعمة للحراك الشعبي المقبل. فيما حذر الناشط السياسي حسين فاضل، ان «الانفجار الشعبي قريب ونحذر من ركوب الموجة من قبل سياسيين، وان التظاهرات ستكون أقوى».
ومن جهة أخرى، تابع المراقبون باهتمام مؤخرا، انتشار العديد من المنشورات والملصقات التي تحمل شعارات مثل «البديل قادم» و«ساعة الصفر» و«العاصفة قادمة» في العديد من مناطق بغداد ومواقع التواصل الاجتماعي، من دون معرفة الجهات التي تقف وراءها.
ولأن معاناة العراقيين واحدة في كافة أنحاء البلد، فإن العديد من الأحزاب والشخصيات الكردية حذرت من امتداد ثورة غضب إلى إقليم كردستان جراء نقص الخدمات وتفشي الفساد. فالسياسي الكردي نبيل سليم، أكد بأن هناك ثورة غضب قادمة في الإقليم، محذرا من أن «الأزمة الاقتصادية في كردستان بلغت مستويات حرجة للغاية خاصة مع أزمة الوقود التي ستشكل شرارة أخرى لثورة غضب تلوح بالأفق».
وأضاف سليم، ان «عدة مدن تشهد حراكا فعليا في الدفع نحو مظاهرات شعبية ربما تكون بداية التغير في أربيل وبقية المحافظات من خلال إنهاء حكم العوائل الذي نهب ثروات الإقليم، ولم يجلب سوى المآسي للشعب الكردستاني» حسب قوله.
ولا شك ان ضغوط الشارع وتعمق الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، ووصولها إلى مستويات لا يمكن قبول استمرارها، وسط اصرار قوى الفساد والفشل على التمسك بالسلطة، دفعت القوى الوطنية والنواب المستقلين ونواب تشرين، للتحرك الجدي لمواجهة تدهور الأوضاع، وسط توقعات بان يسفر الحراك الحالي، عن اتفاق تلك القوى الوطنية على توحيد صفوفها وتجاوز خلافاتها، لتشكيل قوة معارضة موحدة تكون فاعلة في البرلمان ومدعومة من الشارع، لوضع حد لاصرار أحزاب السلطة على تجاهل الإرادة الشعبية في التغيير وإنقاذ البلد من الانهيار الشامل، مع عدم استبعاد المواجهة المتوقعة مع أحزاب السلطة التي قمعت حراك تشرين من أجل الحفاظ على مصالحها.
اقتباسات
منظومة الحكم تشهد أزمة تزعزع أركان البناء الدستوري
غليان شعبي وحراك قادم ضد تدهور الأوضاع وتعمق الأزمات
الأحزاب والشخصيات الكردية حذرت من امتداد ثورة غضب إلى إقليم كردستان
القدس العربي