لا تختلف القراءة الإيرانية لزيارة الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط التي تشمل كلاً من إسرائيل والضفة الغربية والسعودية عن أي قراءة إقليمية أو دولية، بخاصة لجهة الآثار والنتائج التي ستسفر عنها على المستوى الاستراتيجي وآليات التعامل الأميركي مع ملفات المنطقة، فضلاً عن مخرجات هذه الزيارة في ما يتعلق بالأجندة التي وضعتها الإدارة الأميركية لها، سواء ما يتعلق بأزمة الطاقة، أو تعزيز الاتجاه السلمي القائم بين إسرائيل والدول العربية، أو العمل على بناء منظومة أمنية تلعب دور الذراع الأمنية والعسكرية للدول المشاركة في القمة التي ستجمعه مع دول مجلس التعاون والأردن ومصر والعراق (GCC+3).
وبعيداً من الأهداف المعلنة لهذه الزيارة، التي كشف عنها بايدن مباشرة بإجراء مباحثات مع القيادة السعودية ومعها الدول الخليجية تتعلق بالتعاون لمعالجة الآثار السلبية للحرب الروسية ضد أوكرانيا في أسواق الطاقة، إضافة إلى السعي لطمأنة إسرائيل والدول العربية بالنسبة إلى موقف الإدارة الأميركية من أزمة الملف النووي الإيراني وتأكيد التزام واشنطن منع طهران من التحول إلى قوة نووية وتأمين مظلة الحماية لتل أبيب وحلفائها الإقليميين من الطموحات الإيرانية.
فإن للزيارة أبعاداً أخرى لا تقل أهمية عن تلك التي أعلن عنها زعيم البيت الأبيض، وإن لم يتم التصريح بها، إلا أنها تبدو واضحة، تندرج ضمن مستويين، الأول مباشر يتعلق بالنتائج غير الإيجابية لجولة المفاوضات الثنائية غير المباشرة التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة نهاية الشهر الماضي يونيو (حزيران) بين واشنطن وطهران، بتأكيد استمرار الولايات المتحدة بسياسة الضغط على النظام في إيران عبر فرض مزيد من العقوبات لإجباره على العودة إلى طاولة التفاوض والتعامل الإيجابي مع مصادر القلق الدولية من أنشطته النووية. والمستوى الأخير، محاولة إيصال رسالة إلى القيادة الإيرانية بأن العودة إلى ممارسة طهران لدورها الطبيعي في المجتمع الدولي، يمر من بوابة الاستجابة لمتطلبات المجتمع الدولي وأن واشنطن لن تسمح لطهران باستغلال أزمة الطاقة الدولية وحاجة الأسواق العالمية لعودة النفط الإيراني لفرض شروطها سواء على المفاوض الأميركي أو على الترويكا الأوروبية.
في المقابل، يبدو أن قيادة النظام الإيراني لا تأخذ الموقف المتشدد للرئيس الأميركي حول العقوبات والضغوط ذريعة لإعلان فشل المفاوضات، بل لجأت إلى إدانة هذا الموقف وتأكيد تمسكها بالمسار التفاوضي، الثنائي والجماعي، وضرورة استغلال الفرصة المتاحة للتوصل إلى تفاهمات مستدامة تضمن حصول جميع الأطراف على ما يريدونه من هذه المفاوضات وإعادة إحياء الاتفاق النووي.
إلا أن الهاجس الأساس الذي شكل ويشكل مصدر قلق لهذه القيادة، يتعلق بالمساعي الأميركية لتشكيل تحالف عسكري إقليمي، تحت مسمى “ناتو إقليمي”، تعتقد هذه القيادة أن مهمته تتركز على نقطة واحدة، هي محاصرة إيران ووضعها في دائرة الضغط والحصار الأمني والعسكري، وتعريضها لتهديد مستمر بإمكانية تعرضها لعملية عسكرية واسعة، قد تلجأ إليها إسرائيل لتدمير منشآتها النووية والحيوية، بناء على مواقف وتصريحات القيادات الإسرائيلية.
لذلك، ترى هذه القيادة أن زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تعتبر استراتيجية على غرار كل الزيارات التي قام بها الرؤساء السابقون، سواء باراك أوباما وما أسفرت عنه زيارته من إطلاق شرارة الربيع العربي، أو زيارة دونالد ترمب وما أسست له من معاهدات سلام بين تل أبيب ودول خليجية “سلام إبراهيم”.
من هنا، فإن زيارة بايدن تهدف إلى جمع حلفاء واشنطن في إطار تحالف حول رؤيته أو خريطة الطريق الجديدة التي رسمها للشرق الأوسط، ما يعني أن الآثار المباشرة لهذه الزيارة تستهدف إيران، وقد تجد نفسها في محاصرة هذا التحالف الجديد الذي سيمنح إيران أفضلية الوجود بالقرب من حدودها المباشرة، ولا تستبعد هذه القيادة أن تنضم تركيا إلى هذا التحالف بشكل غير مباشر، بحثاً عن موقع في المعادلات الإقليمية.
وبحسب طهران، فإن النتائج العملية لزيارة بايدن ستبدأ بالظهور بعد عودته إلى واشنطن، التي ستحدث تغييرات وتحولات عميقة على صعيد المنطقة بحيث تشكل الأرضية المساعدة التي تسهل عملية انسحاب واشنطن من التعامل والتعاطي المباشر مع أزمات الشرق الأوسط، وتسمح لها بتخفيف وجودها والتفرغ للتحديات التي تهب من الجهة الروسية والشرق الصيني.
المخاوف الإيرانية عبّر عنها وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب، الذي وصف كلام الرئيس الأميركي بأنه أبعد من خطاب، أو سعي لعقد اتفاق، بل مساعٍ لتكليف إسرائيل بلعب الدور الأميركي بشكل رسمي، في حين أن المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني اعتبر كلام منسق العلاقات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي حول تفعيل منظومة دفاع جوي إقليمي “مستفزاً” ويشكل “تهديداً للأمن القومي الإيراني والمنطقة”، فيما سرب المجلس الأعلى للأمن القومي موقفاً تصعيدياً وتهديداً مباشراً بإمكانية استهداف أقرب مصدر للتهديد إذا ما تعرضت إيران لأي اعتداء.
لجوء أكثر القيادات السياسية والأمنية والعسكرية إلى استخدام لغة التهديد والتحذير من تداعيات المشروع الأميركي – الإسرائيلي بإقامة “ناتو إقليمي”، يعني أن هذه القيادات بدأت تشعر بالأخطار التي تحملها المرحلة المقبلة وإمكانية تشديد الحصار على النظام الإيراني ومحاصرة دوره ونفوذه، بعد أن كانت كل تحليلاتهم تذهب إلى حتمية فشل هذا المشروع، باعتباره محاولة أميركية لتعويض انسحابها من الشرق الأوسط. وهذه القراءة قادت النظام إلى تسويف جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي وإيصال الأمور إلى ما يشبه الطريق المسدود، على أمل الحصول على تنازلات أميركية تتعلق بالدور الإقليمي أولاً، ولم تكُن تتوقع أن تدير واشنطن ظهرها وتضع إمكانية فشل المفاوضات وانهيار الاتفاق كخيار لا بد من التعامل مع تداعياته.
اندبندت عربي