اجتمع قادة الدول المعنية بمسار أستانة الخاص بالملف السوري، تركيا وإيران وروسيا في طهران، يوم الثلاثاء الماضي. وتناولت القمة الاضطرابات المستمرة في سوريا، وأزمة الحبوب الناجمة عن الحرب الدائرة في أوكرانيا. وبالتوازي مع القمة، احتضنت طهران النسخة السابعة من اجتماع مجلس التعاون التركي -الإيراني رفيع المستوى، برئاسة زعيمي البلدين رجب طيب أردوغان، وإبراهيم رئيسي. واستعرض المشاركون في الاجتماع العلاقات التركية – الإيرانية من الجوانب كافة.
انعقدت النسخة السابعة للقمة الثلاثية، بضيافة الرئيس الإيراني رئيسي، وحضور نظيريه التركي أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين. وبحسب بيان ختامي مشترك صدر عن القمة، فإن القادة ناقشوا آخر التطورات الدولية والإقليمية، وأكدوا الدور الريادي لمسار أستانة في الحل السلمي والمستدام للأزمة السورية. وشدد القادة على التزامهم القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وبأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وأدانوا الوجود المتزايد للتنظيمات الإرهابية وأنشطتها وأذرعها، في مختلف مناطق سوريا، واستهدافها للمناطق المدنية وإزهاق أرواح الأبرياء.
من الصعب أن يحل السلام والاستقرار في منطقتنا ما دامت الولايات المتحدة تثير الفوضى، بدلاً من معالجة المشاكل، وتولي الأولوية لضمان مصالح إسرائيل
وأعرب رؤساء الدول الثلاث عن أنهم لن يتراجعوا عن سياساتهم الخاصة، تارة بشكل علني وتارة أخرى على شكل تلميح. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا الإطار، «ناقشنا الوضع الصعب في شمال شرق سوريا، في الفرات، حيث تجري محاولات لترسيخ وجود عسكري أجنبي غير شرعي هناك في انتهاك لسيادة الدولة السورية، كما تثار النزعات الانفصالية بدعم من بعض الدول». ولا شك في أن الجهة المقصودة هنا ليست الولايات المتحدة فحسب، بل من الواضح أن الكلام وجه لتركيا أيضاً. حديث بوتين عن وحدة الأراضي السورية في ظل انتهاكه الصارخ لوحدة الأراضي الأوكرانية، كان تراجيكوميديا. بدوره تكلم الرئيس الإيراني بصيغة مشابهة وحاول أن يلمح إلى أن روسيا وإيران موجودتان في سوريا بطريقة قانونية، بناء على طلب من نظام الأسد، في حين أن تركيا موجودة هناك بطريقة غير شرعية. أمّا الرئيس التركي، فقال إن تركيا لا ترى فرقاً بين «داعش» و»بي كي كي»، وهي مصممة على اجتثاث بؤر الإرهاب في سوريا. كانت الدول الثلاث، إيران وروسيا وتركيا، جيراناً على الحدود البرية مع بعضها بعضا قرونا طويلة. ومع تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، أصبحت روسيا جارة عن طريق البحر فقط (بحر قزوين مع إيران، والبحر الأسود مع تركيا). ولدى جميعها ماض كبير يمتد من كياناتها الداخلية وحتى أعماق التاريخ. ووقعت على مرّ التاريخ خلافات ومنافسات واستعراضات قوة وتهديدات وأعمال عدائية وحروب وانتصارات وهزائم بين بعضها بعضا، وهذا كله يؤثر بعمق في البنى الاجتماعية لدى كل منها. وكانت روسيا الطرف المتقدم بشكل عام في نتيجة هذه الصراعات. وكيف لنا أن ننسى ما جرى في الحرب الروسية العثمانية التي وقعت بين عامي 1877 و1878 والمعروفة في تاريخنا بـ»حرب 93» (نظرا لوقوعها عام 1293 بالتقويم الهجري)، حيث تعتبر هذه الحرب من أكبر الهزائم التي هددت بشدة وجود الدولة العثمانية وحياتها الاجتماعية. تلك الهزيمة المشؤومة التي أدت إلى ارتقاء شهداء في كل منزل تقريبا، وقيام جيوش روسيا القيصرية في البلقان بانتزاع رومانيا من الدولة العثمانية، وجعل بلغاريا منطقة تتمتع بالحكم الذاتي، وتوسعها من هناك حتى مشارف إسطنبول عند منطقة يشيل كوي (Ayastefanos)، وتجاوزها القوقاز من الشرق متقدمة نحو باطومي وقارص وأرداهان ووان وأرضروم وبايبورت. وهل يمكن لإيران أيضا أن تنسى كيف اضطرت لترك مناطق شاسعة لصالح روسيا في غرب بحر قزوين، بعد أن كانت ظلت خاضعة لسيطرتها طيلة قرون طويلة، وتضم الأراضي التي تحتضن اليوم دول جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، وتمتد حتى بخارى وسمرقند وهرات. وهذا الأمر محفور في أذهان الشعب الإيراني على أنه مخجل. ولا يمكنها أن تنسى أيضاً احتلال الروس لسنوات طويلة السواحل الجنوبية لبحر قزوين، قبل نحو 200 عام عبر معاهدتي تركمانجاي وغلستان. ونلاحظ مما سبق أن روسيا كانت دائماً الدولة التي أذاقت الطرفين الآخرين مرارة الهزيمة في السابق.
خلاصة الكلام؛ من المهم بالطبع أن يجتمع رؤساء إيران وروسيا وتركيا وسط مرحلة يمر فيها العالم بأزمات وتحديثات كبيرة للغاية. ويبدو أنه سيكون من الصعب جداً أن يحل السلام والاستقرار في منطقتنا ما دامت الولايات المتحدة تثير الفوضى، بدلاً من معالجة المشاكل، وتولي الأولوية لضمان مصالح إسرائيل أمام مرأى ومسمع من شعوب المنطقة كافة. لهذا السبب، يتعين على دول المنطقة أن تتخذ قرارها بنفسها، من دون الاعتماد على الآخرين.
القدس العربي