التحكم في الموانئ مفتاح السيطرة على الشرق الأوسط

التحكم في الموانئ مفتاح السيطرة على الشرق الأوسط

محاولات تعزيز النفوذ ستزيد من أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إلى المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة مع تصاعد التدخلات الصينية والروسية وتهديدات إيران العسكرية.

الرياض – تندرج رحلة الرئيس الأميركي جو بايدن المثيرة للجدل إلى جدة ضمن لغز جيوسياسي أوسع وأكثر تعقيدا، حيث تحاول العديد من الدول المطلة على الخليج والبحر الأحمر التحوّط من رهاناتها وتوجيه قوى عالمية وإقليمية متنافسة ضد بعضها بعضا.

ويُنظر إلى زيارة بايدن على نطاق واسع على أنها تراجع بعد أن رفض التفاعل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ توليه الرئاسة. ومن المرجح أن تبرز زيارة بايدن بصفتها سيفا ذا حدين للولايات المتحدة.

ورحب الأمير محمد وقادة إقليميون آخرون بطمأنة بايدن بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الشرق الأوسط وتسمح لإيران بأن تصبح قوة نووية. لكن المشكلة هي أن الطمأنينة تأتي من تصريحات رجل قد لا يكون في المنصب بعد ثلاث سنوات من الآن ومن بلد تراجعت مصداقيته وسلطته، وهو تراجع يراه الكثيرون في زيارة بايدن نفسها إلى السعودية.

ويرى مراقبون أن محاولات التحوط وتعزيز النفوذ ستزيد من أهمية المنطقة بالنسبة إلى المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، بدلا من استبدال أميركا بصفتها الضامن الأمني الأول في المنطقة.

كما ستؤدي المناورات العسكرية لاسيما في البحر الأحمر والقرن الأفريقي إلى تصعيد المنافسات الإقليمية. فالممرات المائية في المنطقة تشهد مرور نحو 30 في المئة من حاويات الشحن في العالم سنويا.

جيمس دورسي: بايدن يرى أن الخليج يتعاون مع الصين، التي نالت حصصا في الموانئ
وشدد بيان مشترك أصدرته الولايات والمملكة العربية السعودية إثر الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي على أهمية الحفاظ على التدفق الحر للتجارة عبر الممرات المائية الدولية الاستراتيجية مثل باب المندب ومضيق هرمز.

وأشار البيان إلى أن الوحدة البحرية المنشأة حديثا، فرقة العمل المشتركة 153، ستركز على تعزيز الأمن في باب المندب واعتراض عمليات التهريب إلى اليمن الذي مزقته الحرب. كما رحب البيان بتولي المملكة العربية السعودية قيادة وحدة مماثلة، قوة المهام المشتركة 150، التي تنشط في خليج عمان وشمال بحر العرب.

ومن وجهة نظر بايدن، تعزز توقع تثمين التعاون الأمني مع اللاعبين الإقليميين من خلال التقارير التي تفيد بأن جهود موسكو لإنشاء قاعدة بحرية، وهي القاعدة الروسية الأولى في أفريقيا، في مدينة بورتسودان السودانية المطلة على البحر الأحمر، كانت متعثرة بسبب الخلافات بين قيادة جيش الدولة الأفريقية.

ويرى بايدن أن الإشكالية الأكبر هو أن دول الخليج تتعاون بشكل وثيق مع الصين، التي نالت حصصا في الموانئ والمحطات البحرية في المملكة العربية السعودية والسودان وعمان وجيبوتي، حيث تمتلك بكين قاعدة عسكرية.

ويتزايد تعقيد البيئة في ضوء المنافسة المتصاعدة بين حلفاء الولايات المتحدة على النفوذ الإقليمي وتعزيز إيران قدراتها البحرية. ويخطط الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بالموانئ لتحويل المملكة إلى مركز للنقل والخدمات اللوجستية يربط القارات ويحل محل الإمارات العربية المتحدة وقطر كمركزين مفضلين في الشرق الأوسط.

وتبقى المملكة العربية السعودية دولة جديدة في لعبة التحكم في الموانئ العالمية والتي تعتبر فيها دبي والصين منافستين رئيسيتين. وتدير موانئ دبي العالمية 82 محطة بحرية وداخلية في أكثر من 40 دولة، بما في ذلك جيبوتي، وأرض الصومال، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وتركيا، وقبرص، والأهم من ذلك، ميناء جبل علي المركزي في دبي.

وتستهدف محطة بوابة البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، في البداية الموانئ التي من شأنها خدمة الواردات السعودية الحيوية مثل السلع الغذائية.

وذكر ينس فلوي الرئيس التنفيذي لمحطة بوابة البحر الأحمر أن التركيز يحوم حول الموانئ في السودان ومصر. وأشار إلى كونهما من الدول المهمة لاستراتيجية الأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية رغم عدم اختيارها لهذا السبب.

وفي العام الماضي، اشترى صندوق الاستثمارات العامة وشركة كوسكو الصينية للشحن حصة 20 في المئة في محطة بوابة البحر الأحمر. ويتناسب الاستثمار الصيني مع استراتيجية الحزام والطريق التي تضمنت الاستحواذ على حصص في الموانئ والمحطات البحرية في المملكة العربية السعودية والسودان وعمان وجيبوتي، حيث تمتلك بكين قاعدة عسكرية.

وأوقفت الإمارات العربية المتحدة في أواخر سنة 2020 البناء في مشروع ميناء صيني بالقرب من أبوظبي بعد أن أكد المسؤولون الأميركيون أن الصين تعتزم استخدام الموقع لأغراض عسكرية.

وفي حين أن خطط الموانئ السعودية لم تتجاوز تحديث ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، وافقت موانئ أبوظبي على تطوير المحطة التي تقع في ميناء سفاجا على الساحل الشرقي المصري وتشغيلها وإدارتها.

وتصدر سفاجا، الواقعة جنوب الغردقة، الفوسفات وتستضيف عبّارة للحجاج إلى ضباء في المملكة العربية السعودية. ومن المحتمل أن تكون الإمارات العربية المتحدة أكثر شراسة في تنافسها للسيطرة على الممرات المائية في المنطقة.وتتخوف الولايات المتحدة من التهديدات العسكرية الإيرانية المتصاعدة في المنطقة من خلال ترسانتها الحربية.

وتعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها الطائرات الإيرانية المسيّرة التي استخدمتها طهران وحلفاؤها تهديدا كبيرا يستهدف البنية التحتية الحيوية وخاصة منها المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والشحن في الخليج.

الولايات المتحدة تعتبر الطائرات الإيرانية المسيّرة التي استخدمتها طهران تهديدا كبيرا يستهدف البنية التحتية الحيوية وخاصة منها المنشآت النفطية في السعودية والإمارات العربية المتحدة والشحن في الخليج

ونأت الإمارات بنفسها عن المسار الأمني المعادي لإيران في اجتماعات بايدن مع الأمير محمد بن سلمان وقادة دول الخليج الأخرى ومصر والأردن والعراق.

وصرّح المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش بأن بلاده منفتحة على التعاون، “لكن ليس التعاون الذي يستهدف أيّ دولة أخرى في المنطقة، وأشير هنا بالتحديد إلى إيران”. وشدد على وجوب خفض التصعيد وإيجاد حلول واعتماد التعاون الاقتصادي في كافة المجالات.

ومع استمرار وجود بايدن في المنطقة، كشف قرقاش أن الإمارات تسعى لإعادة سفيرها إلى إيران لأول مرة منذ 2016. وكانت الإمارات خفضت علاقاتها الدبلوماسية معها بعد أن هاجمت حشود سفارة السعودية في طهران احتجاجا على إعدام رجل دين شيعي سعودي بارز.

ومع إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن موقفها وعدم احتمال أن تتبنى دول مثل قطر وسلطنة عمان والكويت والعراق سياسات مواجهة مع إيران في هذه المرحلة، فإن الركائز الإقليمية الرئيسية لبايدن المناهضة لإيران هي السعودية والبحرين ومصر والأردن وإسرائيل.

ويرى مراقبون أن التطورات الحاصلة لم تترك لبايدن خيارا سوى التسليم بالأمر الواقع والتوجه إلى جدة رغم ميل الرئيس إلى توخّي أساليب لم تحل أيّا من مشاكل الشرق الأوسط المتعددة بدل دمجها في سياسات أوسع وأكثر جرأة يمكن أن تكون أكثر فعالية.

العرب