الرحلة التي كان ينبغي أن يقوم بها بايدن، ولم يفعل

الرحلة التي كان ينبغي أن يقوم بها بايدن، ولم يفعل

كيف كان خط سير رحلة الرئيس ليبدو لو أنه قرر لقاء الفلسطينيين، بمن فيهم مواطنون أميركيون، الذين تستهدفهم سياسات إسرائيل؟‏ ليست الأدلة على سياسات الهيمنة والتفوقية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر سرًا، والرئيس الأميركي على علم تام بها. ولذلك، فإن زيارة بايدن هي تأكيد واضح أن الحكومة الأميركية ستواصل دعم سياسات إسرائيل العنصرية مع الإفلات التام من العقاب. وفيما يتعلق بالفلسطينيين، لن يسمعوا أي رسالة أمل خلال هذه الزيارة. بل العكس تمامًا. والتالي هو تصور ساخر لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة.

  • * *
    في تحول مفاجئ للأحداث، أمر البيت الأبيض بتغيير مسار رحلة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في اللحظة الأخيرة، موقفاً بشكل مفاجئ يوماً ثانياً من الاجتماعات التي كان من المقرر إجراؤها في القدس اليوم.‏
    وجاء هذا التطور المفاجئ بعد ‏‏الكشف مؤخرًا عن‏‏ أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية شاركوا إسرائيل في رعاية خطط لبناء السفارة الأميركية الجديدة التي نقلتها إدارة ترامب من تل أبيب إلى القدس في العام 2018، لتقام على أراضٍ فلسطينية مملوكة ملكية خاصة، والتي تمت مصادرتها بشكل غير قانوني من أصحابها الفلسطينيين بموجب قانون ممتلكات الغائبين الإسرائيلي للعام 1950. ووفقًا لكبار المراقبين السياسيين، أثار هذا الحادث أزمة ثقة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، حيث أثار الرئيس تساؤلات جادة حول سبب مضي إدارته قدمًا في انتهاج هذه السياسة التي كان يقودها ترامب.‏
    وفي ضوء هذه الأنباء، قرر البيت الأبيض إلغاء بقية اجتماعات بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين. وبدلاً من ذلك، سيتوجه موكب الرئيس إلى منزل أنطون أبو عاقلة، شقيق الصحفية الفلسطينية الأميركية في قناة الجزيرة التي قُتلت مؤخراً، ‏‏شيرين‏‏. ومن المتوقع أن يعبِّر بايدن عن غضبه لمقتل شيرين، ويتعهد بإجراء تحقيق مناسب وشفاف يتضمن الاستماع إلى روايات شهود العيان الفلسطينيين، إضافة إلى التقارير الاستقصائية التي أجرتها كل من محطة “سي. إن. إن” وصحيفتي ‏”نيويورك تايمز”‏‏ ‏‏و”واشنطن بوست”، و‏خلصت نتائجها إلى أن قناصًا إسرائيليًا هو الذي أطلق النار على شيرين وأرداها قتيلة. وسيصر بايدن على أن المساءلة عن هذا العمل الإجرامي ستكون أولوية قصوى.‏
    ستكون ‏المحطة التالية لبايدن هي رام الله. وسيلتقي هناك بقادة المجتمع المدني الفلسطيني، وخاصة مديري المنظمات غير الحكومية الست التي حظرها وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، العام الماضي باعتبارها “منظمات إرهابية”. ويريد بايدن الوصول إلى حقيقة هذه التصنيفات التي وضعتها إسرائيل، لأنه -إلى جانب ‏‏العديد‏‏ من الحكومات الأوروبية- لم يقتنع بـ‏”الأدلة‏‏” التي قدمتها إسرائيل على هذه المزاعم.
    كما يريد أن ‏‏يعرف أيضاً سبب‏‏ رفض إسرائيل خروج أُبيّ العابودي، وهو فلسطيني أميركي والمدير التنفيذي لمركز بيسان (إحدى المجموعات الست المحظورة)، من الضفة الغربية المحتلة، ولماذا مُنعت سحر فرنسيس، وهي مواطنة فلسطينية إسرائيلية، ومديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى (أيضًا من بين المجموعات الست)، ولديها تأشيرة دخول صالحة إلى الولايات المتحدة، من الصعود على متن رحلة جوية من مطار بن غوريون للمشاركة في “المنتدى الاجتماعي العالمي” في المكسيك، مع توقف قصير في الولايات المتحدة.‏
    في الوقت نفسه، يتوق السفير الأميركي لدى إسرائيل، توم نيدس، إلى أن تبدأ حكومته برنامج الإعفاء من التأشيرة الأميركية “لشعب إسرائيل”، كما قال لصحيفة “هآرتس” في بودكاست نشر مؤخرًا. لكن بايدن يريد أن يعرف شخصيًا عن منع إسرائيل الروتيني دخول الفلسطينيين الأميركيين البلاد ومضايقتها لهم، وعن شروط الجيش التقييدية لإقامة الأجانب في الضفة الغربية.
    كما قرر أيضاً الاجتماع مع رئيس جامعة بير زيت، البروفيسور بشارة دوماني، وهو أيضًا مواطن أميركي، للتعرف على الكيفية التي جعلت بها ‏‏القيود الإسرائيلية المفروضة‏‏ على استقطاب الموظفين والطلاب الفلسطينيين الأميركيين وغيرهم من الموظفين والطلاب الأجانب من المستحيل على الجامعة تقريبًا الاحتفاظ بأي تحالفات عالمية. وهذا يتناقض بشكل حاد مع حالة الجامعات الإسرائيلية، التي يمكنها الحصول على تأشيرات لجلب أعضاء هيئة التدريس والطلاب الأجانب، وخاصة الأميركيين.‏
    ويريد بايدن أيضًا التحقيق شخصيًا في عمليات التهجير القسري الإسرائيلي للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، كما هو مذكور في تقرير وزارة الخارجية الأميركية‏‏ عن ‏‏حقوق الإنسان في‏‏ إسرائيل. وللقيام بذلك، سيبدأ الرئيس جولة في ‏‏أم الحيران‏‏ في النقب، وهي قرية تسعى إسرائيل إلى استبدالها ببلدة لليهود فقط، وحيث قتلت الشرطة الإسرائيلية يعقوب أبو القيعان خلال عملية هدم منزل في العام 2017 (كما هو مذكور في التقرير أيضاً). كما سيزور الرئيس ‏‏مسافر يطا‏‏ في تلال الخليل الجنوبية، حيث يواجه أكثر من 1.000 فلسطيني، من بينهم 500 طفل، الترحيل القسري الوشيك -وهي خطة وافقت عليها المحكمة العليا الإسرائيلية بشكل مثير للقلق في أيار (مايو)، تماما كما فعلت مع أم الحيران في العام 2015. وبطبيعة الحال، سيطالب الرئيس بالوقف الفوري لهذه السياسات.‏
    ‏كما يصر بايدن أيضًا على زيارة غزة، في ما ستكون المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أميركي القطاع منذ بيل كلينتون في العام 1998. ويريد بايدن أن يرى بنفسه أين‏‏ سُحقت ‏‏راشيل كوري‏‏، ‏‏وهي مواطنة أميركية كانت تحتج على هدم منازل فلسطينية، وديست حتى الموت في العام 2003 على يد جندي إسرائيلي يقود جرافة مدرعة أميركية الصنع من طراز “كاتربيلر”. ويناضل والدا راشيل، سيندي وكريغ كوري، في واشنطن العاصمة منذ ما يقرب من 20 عامًا ضد السياسات الأميركية والإسرائيلية في غزة.‏
    ثم يريد الرئيس رؤية الموقع الذي قتل فيه أربعة صبية من عائلة بكر -على مرأى ومسمع من الصحفيين الدوليين- في غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة في العام 2014، وبعد ذلك رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية إلغاء قرار المدعي العام بإغلاق الملفات. كما سيلتقي أيضًا بالطلاب الفلسطينيين في غزة المستفيدين من منحة “فولبرايت” وغيرها من المنح الدراسية الممولة من الولايات المتحدة، الذين حرُموا من الخروج لمتابعة دراستهم بسبب الحصار الإسرائيلي للقطاع.‏
    وأخيرًا، سيجتمع بايدن مع أعضاء الكنيست الفلسطينيين للاستماع إلى توقعاتهم للانتخابات الإسرائيلية المقبلة المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر). وهو يشعر بالفضول لمعرفة سبب استمرارهم في الترشح للبرلمان الإسرائيلي بالنظر إلى أنهم مستبعدون فعليًا من ممارسة سلطة صنع القرار الحقيقية، ولماذا يعتبر معظم اليهود برنامجهم السياسي الأساسي -المساواة الكاملة، ودولة لجميع مواطنيها، وإنهاء الاحتلال- غير مقبول، بل خطيرا.‏
    بطبيعة الحال، لن يتحقق أي من هذه التصورات عن خط سير رحلة الرئيس على الإطلاق. وليست الأدلة على سياسات الهيمنة والتفوقية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر سرًا، والرئيس الأميركي على علم تام بها. ولذلك، فإن زيارة بايدن هي تأكيد واضح أن الحكومة الأميركية ستواصل دعم سياسات إسرائيل العنصرية مع الإفلات التام من العقاب. وفيما يتعلق بالفلسطينيين، لن تُسمع أي رسالة أمل خلال هذه الزيارة. بل العكس تمامًا.‏
  • الغد