قمة طهران والحضور السوري

قمة طهران والحضور السوري

تأتي القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الإيرانية طهران يوم 19 تموز 2022 بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران لتلقي بظلالها ونتائجها على الأبعاد السياسية المقبلة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ولتمنح رؤية ميدانية حول كيفية معالجة الوضع القائم على الأراضي السورية ومديات التحالفات والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة للدول المجتمعة واهدافها ورؤيتها المستقبلية للأحداث. وبقراءة دقيقة لما آلت اليه نتائج الاجتماعات بين الأطراف الثلاثية يمكن أن نحدد أهدافها بجانبين رئيسين هما الاقتصاد والأمن ولهذا فهي شهدت عمليا التوقيع على عدة اتفاقيات تجارية واقتصادية تتعلق بشؤون الطاقة وتبادل السلع والارتقاء بمعدل التبادل المالي ليصل إلى المليارات، كما جاء في إحدى فقرات اللقاء الذي تم بين الرئيسين التركي والإيراني اللذين اكدا رغبتهما في الوصول بالحجم التجاري بين بلديهما إلى(30) مليار دولار وتوقيع اتفاقية استمرار تصدير الغاز الإيراني لأنقرة لمدة (25) سنة قادمة ، وهذا دليل على التوجه السياسي للبلدين لتعميق علاقتهما وتعاونهما بما يخدم سياستهما في منطقة الشرق الأوسط وتحديد المسارات المعتمدة في التفاهم على أبجديات الوضع القائم في سوريا والذي أكده المرشد الإيراني علي خامنئي عندما توجه بالكلام إلى الرئيس أردوغان قائلا له وبلهجة دبلوماسية لا تبتعد عن التوجيه والنصيحة (نحن نعتبر امن تركيا ووجودها جزءا من أمننا وانتم أيضا اعتبروا أمن سوريا مثل امنكم) هذه العبارة مثلت دعم سياسي وامني للنظام السوري وتمسك واضح بالعملية السياسية في دمشق ومساندة للمنظومة الحاكمة وهذا ما يريد إيصاله علي خامنئي للرئيس التركي الذي جاء ليوضح الأسباب الموجبة للعملية العسكرية التي ينوي القيام بها داخل الشمال السوري ومواجهته لحزب العمال وقوات سوريا الديمقراطية وإيجاد منطقة عازلة تمتد نحو (30) كم مربع داخل الأراضي السورية، واستمع الرئيس اردوغان إلى كلام الرئيس الإيراني بأن مصير سوريا يجب أن يقرره شعبها دون أي تدخل أجنبي موضحا دور الجيش السوري في الحفاظ على وحدة البلاد .

جاء الموقف الروسي متضامنا مع الموقف الإيراني بل موافقا له حول سوريا عندما أكد الروس أن سيادة سوريا واستقلالها يجب أن لا تقوض بغض النظر عن الجهة التي تسعى للقيام بهذا العمل ، وهي إشارة واضحة للدور التركي القادم نحو التعامل مع التطورات الميدانية وسعي أنقرة للحصول على الموافقة السياسية من موسكو وطهران (حلفائها في سوريا) للبدء بعملية عسكرية خاصة وإقامة منطقة آمنة. ورغم المواقف الروسية والإيرانية إلا أن الموقف التركي كان واضحا وصريحا عندما تمسك الأتراك بهدفهم الابقاء على العملية العسكرية تجاه قوات سوريا الديمقراطية ومتابعة التطورات أمنيا وعسكريا بما يتوافق والحفاظ على الأمن القومي والوطني التركي بعد التصريحات التي سبقت انعقاد القمة الثلاثية والتي تحدث فيها الناطق باسم فصيل لواء الشمال الديمقراطي والقيادي في قسد (محمود حبيب ) في 5تموز 2022 عن تنسيق جاري مع الجهات العسكرية التابعة للنظام السوري لتزويدهم بعدد من المدرعات والدبابات والمضادات الجوية وراجمات الصواريخ لصد أي هجوم تركي على شمال وشرق سوريا ثم أعقبه كلام (مظلوم عبدي ) القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية يوم 15تموز 2022 انه اتفق مع الروس على تعزيز تواجد القوات السورية النظامية في المناطق الحدودية مع تركيا للقيام بواجبها في الدفاع عن الأراضي السورية، وهذه هي إحدى الجوانب الأمنية التي يراها الأتراك تصعيدا في استهدافهم والتأثير على أوضاعهم الأمنية داخل العمق التركي حيث اعتبر الرئيس اردوغان أن الكلمات ليست كافية لتفهم المخاوف التركية من قبل روسيا وإيران وان معركته ضد وحدات الشعب والمليشيات الأخرى دون النظر لمن يدعمها تأتي بسبب اتخاذها خطوات ميدانية وسياسية لتقسيم سوريا وان تخليص الشعب السوري منها سيعود عليه بالفائدة المستقبلية. ويبقى الموقف الروسي قائما في هذه القمة التي أراد فيها بوتين معالجة الخلافات بين موسكو وطهران من جهة وتركيا من جهة أخرى حول الأهداف العسكرية التركية ، كما أراد إيصال رسالة للإدارة الأمريكية بأنه لا يزال حاضرا في شؤون الشرق الأوسط رغم انشغاله بالنزاع القائم مع أوكرانيا ومواجهته للحلف الدولي الذي تسعى إليه واشنطن ، وتمتين مواقفه في مواجهته مع كييف بعد الموافقة الضمنية التي تمثلت في دعم المرشد علي خامنئي لبوتين بقوله ( اذا لم تكن بادرت في قضية أوكرانيا فإن الطرف المقابل يأخذ زمام المبادرة ويعمل لإثارة الحرب ) .

هذه هي أهم المعطيات التي خرجت بها قمة طهران ومثلت دعم سياسي واضح لبقاء النظام السوري وتأكيد الدور السياسي في التعامل مع الملف السوري بعيدا عن أي تصعيد عسكري ومن أي جهة كانت مع استثمار اللقاءات في عقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تدعم العلاقات بين روسيا وتركيا وإيران وجميعها بحاجة الى معالجة أزماتها الاقتصادية وكل حسب ما يعانيه داخليا.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية