يحذّر جنرال إسرائيلي بارز في الاحتياط من أن سلاح الجو الذي تُفاخِر به إسرائيل ليس مستعداً لحرب مستقبلية متعددة الجبهات. ويقول إنه يملك طائرات متطورة جداً، لكنه يعدم الوسائل للحفاظ على صلاحيتها وفعاليتها ويتهم قيادة الجيش بالتورّط بلامبالاة عميقة. ويقول الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، في مقال جديد، محذراً أنه منذ سنين يحاولون خلق صورة بطولية لسلاح الجو الإسرائيلي، وكأنه سلاح الجو الأفضل في العالم، وطالما أن هذا هو الوضع فإن الإسرائيليين يعتقدون بأنه يمكنهم الهدوء، بيد أن الواقع مختلف كلياً، وهذه نقطة في بحر المشكلات التي ستؤّثر بشكل كبير عليه في الحرب القادمة متعددة الساحات.
قبل ذلك، سبق أن حذّر بريك عدة مرات من أن إسرائيل غير مستعدة لـ “كابوس حرب الصواريخ متعددة الجبهات”. ويعلّل تحذيره بالقول: “في سلاح الجو الإسرائيلي هناك نوعان من الثقافة التنظيمية: كل ما يتعلق بتدريب الطيارين وقدرتهم المهنية وجودة الطائرات واستخدامها، واستخلاص الدروس وتطبيقها،.. في هذه المواضيع تصبّ القيادة العليا معظم اهتمامها. ثقافة تنظيمية في أفضل حالاتها، لكن في هذا السلاح الإسرائيلي توجد ثقافة تنظيمية معيبة في كل ما يتعلق بإعداد قواعد السلاح للحرب متعددة الساحات”. كما يقول إن اهتمام القيادة العليا في سلاح الجو باستمرارية الوظيفية في قواعد السلاح في الحرب القادمة متعددة الساحات هو اهتمام ضئيل، وتأثيره غير واضح في تحسين الوضع.
إسرائيل غير مستعدة لـ “كابوس حرب الصواريخ متعددة الجبهات”.
قمة الهرم مشغولة
مرجحاً أن القيادة العليا في سلاح الجو منشغلة بقمة الهرم (الطيارين والطائرات)، لكنها لا تنشغل كما ينبغي بقاعدة الهرم، التي دونها لا يمكن للقمة أن تعمل. ويتوقع أنه في الحرب القادمة متعددة الساحات ستشكل قواعد سلاح الجو هدفاً استراتيجياً للعدو: صواريخ دقيقة مع رؤوس حربية بوزن مئات الكيلوغرامات من المواد المتفّجرة سيتم إطلاقها كل يوم على قواعد السلاح من مسافة مئات الكيلومترات، وأيضاً من قبل الطائرات بدون طيار. ستطلق أسراب من المسيرات كل يوم على قواعد سلاح الجو، وستضر بشكل كبير باستمرارية أداء القواعد وإقلاع الطائرات.
ويؤكد بريك أن سلاح الجو الإسرائيلي غير مستعد لهذا الوضع، ولا يوجد لديه أي ردّ، منوهاً إلى أن الوحيد الذي يحاول الانشغال بهذا الأمر أمام مندوبي قادة القواعد المسؤولين عن هذا الموضوع هو رئيس قسم استمرارية الأداء في السلاح، برتبة مقدم.
القيادة العليا في سلاح الجو منشغلة بقمة الهرم، لكنها لا تنشغل كما ينبغي بقاعدة الهرم، التي من دونها لا يمكن للقمة أن تعمل.
ويمضي في تحذيره بالقول إنه دون اهتمام ودعم من القيادة العليا، التي توجد فوقه، فلا شيء حقيقياً سيحدث. ويتابع: “أيضاً القليل الذي حدث في قواعد السلاح، من ناحية القوة البشرية ووسائل ضمان الاستمرارية الوظيفية في الحرب القادمة متعددة الساحات، آخذ في التدهور بوتيرة عالية جداً. في كل قاعدة لسلاح الجو هناك كتيبة احتياط هي المسؤولة عن الاستمرارية الوظيفية للقاعدة أثناء الحرب، من أجل تمكين الطائرات من الإقلاع والهبوط وأداء مهمتها”. لافتاً إلى أن مسؤولية الكتيبة المذكورة أعلاه مثل جمع الشظايا من الممرات في أعقاب انفجار صواريخ العدو، إطفاء الحرائق في القواعد بسبب إصابة مباشرة بالصواريخ، ومعالجة المصابين ونقلهم إلى المستشفيات، ومعالجة كل أحداث تلقي الضربات على القاعدة: بناء صورة الامتصاص، عزل الحدث، معالجة ما يسقط والعودة إلى مكان العمل والقاعدة واستعادة الكفاءة الكاملة. ويضيف منبها: “مع ذلك، لم يتم القيام بأي عمل منظم في السلاح لسنوات كثيرة. منذ إنشاء كتائب استمرارية الأداء قبل سنوات فإن الجيش لم يعترف بها ولم يقم بتنظيمها. أدى هذا الأمر إلى نقص كبير في القوة البشرية والمعدات والسيارات. لذلك، لن تتمكن هذه الكتائب من القيام بمهمتها في الحرب القادمة، أي إقلاع طائرات الهجوم وهبوطها سيتضرر بشكل كبير.
تزويد الوقود
كذلك يشير لتزويد طائرات سلاح الجو بالوقود، ويقول إنه في الوضع العادي وفي زمن الحرب، الذي يرتكز بالأساس على شركة مدنية خاصة (شركة باز) للخدمات الجوية فهي تشغل نحو مئة موظف ومزود للوقود في الطائرات الذين في معظمهم يخدمون في الاحتياط. ويوضح أن المعدات في معظمها هي لسلاح الجو. السائقون والمزودون للوقود هم موظفون في الشركة المذكورة، منبهاً إلى اعتماد سلاح الجو على الشركة التي يعتمد عليها تزويد الطائرات في الوضع العادي وفي الحرب، ولكن بسبب أن سائقي صهاريج الوقود يتبعون في الحرب لسلاح البر فلن يكون هناك من سينقل الوقود إلى الطائرات. ويتابع: “خلال سنوات وحتى الآن، لم يتم العثور على أي حل يجسر الفجوة بين احتياجات سلاح البر لسائقي الصهاريج والشاحنات وبين طلب سلاح الجو أن يبقى السائقون في وضع الطوارئ في شركة “باز” للخدمات الجوية من أجل ألا يتم التشويش على تزويد الطائرات بالوقود محذراً من أن معظم الكتائب التي تعمل باستمرارية الأداء توجد الآن في وضع تفكك متقدم”.
سلاح جو إسرائيلي مستعد (فقط) لمعركة بين حربين؛ هجمات في سوريا، وجولات متكررة مع “حماس” في غزة.
إسعاف وإطفاء
وضمن محاولاته المتكررة لقرع جرس التنبيه، يشير بريك أيضاً إلى أن الكتائب التي ما زالت توجد فيها قوة بشرية لا توجد أنظمة للإطفاء أو وسائل لإطفاء الحرائق، ولا توجد تقريبا سيارات إسعاف لنقل المصابين إلى المستشفيات، ولا توجد سيارات للتنقل والسيطرة في أرجاء القاعدة. ويقول إن رجال الاحتياط يمكنهم استخدام سياراتهم الخاصة، ولا توجد قوة بشرية أو معدات كافية لجمع شظايا الصواريخ عن مدرجات الإقلاع في وقت معقول، ولا توجد نظرية قتالية موحدة ولا توجد منظومة تدريب موحدة أو عملية منظمة لتجنيد وتأهيل جنود الكتيبة ولم يحدد سلاح الجو احتياجاته للجيش ووزارة الأمن بعد.
إضافة إلى ذلك، ينوه أنه في معظم قواعد السلاح لا توجد ملاجئ لآلاف الجنود، رجال الخدمة الدائمة والعاملين في الجيش الإسرائيلي، الذين يوجدون في كل قاعدة، علاوة على عدم القيام بأي إعداد نفسي لوضع كهذا. وحسب بريك، يدور الحديث عن سلاح جو إسرائيلي مستعد لمعركة بين حربين؛ هجمات في سوريا، وجولات متكررة مع “حماس” في غزة، ولكنه في المقابل يقف أمام كل ما يتعلق بالحرب القادمة متعددة الساحات التي ستكون فيها قواعد سلاح الجو هدفاً استراتيجياً لصواريخ العدو، وهذا الوضع سلاح الجو غير مستعد له. مشددا على أن هذا سلوك غير مناسب وغير مسؤول للقيادة العليا في سلاح الجو الإسرائيلي الذي رؤوس قادته في السماء وأقدامهم ليست على الأرض، فقد أغمضوا عيونهم عن رؤية ما يحدث على الأرض في الحرب. ويتابع: “حسب قادة كبار في سلاح الجو، بما في ذلك طيارون تحدثت معهم، فإن القيادة العليا في الجيش وفي سلاح الجو مقطوعة عن الواقع البائس على الأرض. طالما أن الطائرات في السماء فإن كل شيء تحت السيطرة، لكن ماذا سيحدث على الأرض في الحرب؟ هذا سؤال آخر.
الجنرال الإسرائيلي: في الحرب القادمة ستشكل قواعد سلاحنا الجوي هدفاً استراتيجياً: صواريخ دقيقة مع رؤوس حربية ستطلق كل يوم من مسافة مئات الكيلومترات، وأيضاً من قبل الطائرات بدون طيار.
لامبالاة عميقة
وضمن انتقاداته المنهجية، يقول بريك إن القيادة العليا في سلاح الجو تفضّل تأجيل النهاية، والقول إن كل شيء على ما يرام موضحاً أن معظم الميزانية، التي تبلغ تسعة مليارات دولار من المساعدات الأميركية، مخصصة في السنوات الأربع القادمة لشراء طائرات جديدة ومعدات مرافقة، وتقريباً لا يستثمرون أي شيء في إعداد الوسائل والقوة البشرية التي تمكّن من استمرارية الأداء التي ستسمح بإقلاع الطائرات وهبوطها في الحرب.
ويضيف: “لا يوجد تناقض أكبر من ذلك. يعرف كل شخص عاقل أن حصانة وصمود سلسلة تتكون من حلقات يتم تحديدها حسب الحلقات الأضعف، عندما تتمزق فإن كل السلسلة تخرج من نطاق العمل. الوضع الحالي هو وضع حاسم ويحتاج إلى علاج فوري إذا أردنا البقاء هنا. ولا نريد مشاهدة كارثة وطنية بأم عينا”.
ويعبّر بريك عن عمق اللامبالاة بتحذيراته الخطيرة بكشفه أنه قبل سنة ونصف السنة تقريباً قام بإرسال رسالة حول الموضوع إلى القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو. لم يتم فعل أي شيء. قبل نحو ثلاثة أشهر جلست وجهاً لوجه مع القيادة العليا في الجيش وفي سلاح الجو، ومرة أخرى لم تكن هناك أي إشارة إلى التغيير. هذا غير معقول. كان يجب أن يكون هذا الموضوع المهمة الوطنية الفورية من الدرجة الأولى في نظام الأولويات الوطنية، مع انتقاد خارجي للجيش ووزارة الأمن من أجل التأكد من أن كل شيء يسير كما هو مطلوب. لكن كما قلنا، استمرت اللامبالاة، ونتيجة لعدم مسؤولية كبيرة من القيادة العليا سيلحق ضرراً كبيراً جداً بالقدرة على تنفيذ مهمات الهجوم والنقل لسلاح الجو في الحرب القادمة متعددة الساحات”.
القدس العربي