عُمّال العالم في معركة فاصلة للدفاع عن حقوقهم

عُمّال العالم في معركة فاصلة للدفاع عن حقوقهم

تخوض نقابات العمال حول العالم معركة حاسمة لتغيير موازين القوى بوجه التقلبات الاقتصادية الخانقة، والتي أثرت على العمال وذلك عبر ممارسة الضغوط على أصحاب الأعمال والشركات دفاعا عن وظائفهم ورواتبهم التي التهمها التضخم بفعل الحرب في أوكرانيا.

لندن – أعطى الارتباك في سوق النقل الجوي التجاري خلال الأسابيع الأخيرة نظرة فاحصة عن حجم معاناة الموظفين والعمال في كثير من دول العالم بعدما باتوا عالقين في كماشة خمول القطاعات وخاصة الصناعة و”جائحة” التضخم.

وتعتبر شاران بورو رئيسة الاتحاد الدولي لنقابات العمال وهي مسؤولة عن التنظيم في قطاعات صناعية أو مجموعات مهنية محددة أن أول عرض كبير لقوة العمال في حقبة الوباء كان في السفر الجوي.

وعلقت بورو عن صناعة ذات حجم كبير ومنخفض التكلفة تعرّض نموذجها لانتقادات طويلة بسبب ظروف العمل السيئة وتآكل حقوق العمال بالقول إن “قطاع الطيران على مستوى العالم هو مثال رئيسي لسياسة التوظيف السيئة”.

وأكدت على إحجام العديد من عمال الطيران عن العودة بعد تسريحهم من العمل أو الإجازة، وهو اتجاه تسبب إلى جانب الإضرابات بسبب الأجور في إحداث فوضى في المطارات الأوروبية الشهر الماضي أن “الناس يصوتون بأقدامهم”.

والسؤال الأكبر الآن هو ما إذا كان العمال الآخرون سيحذون حذوهم ويعكسون التراجع المستمر منذ عقود في النشاط الصناعي الذي شهد حصول أرباب العمل على اليد العليا في علاقات العمل.

تبدو الظروف مهيأة للاضطرابات، فقد أدت الأزمة الصحية في العامين الماضيين إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية

وتبدو الظروف مهيأة للاضطرابات، فقد أدت الأزمة الصحية في العامين الماضيين إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية، حيث أظهرت دراسة للبنك الدولي العام الماضي أن الدخل كان الأكثر تضررا بين الخُمس الأفقر من الناس على مستوى العالم.

وفي الوقت الذي أشادت بهم الحكومات لشجاعتهم، قام العاملون في مجال النقل والتجزئة والرعاية الصحية في كثير من الأحيان بأداء وظائف منخفضة الأجر في ظروف غير آمنة، بينما كان آخرون يعملون من المنازل.

ومما يضاعف من تأثير عقد من ضعف نمو الرواتب بالدول الغنية بعد ركود 2008 و2009، فإن التضخم الذي يتجه الآن إلى رقم مزدوج يزيد من تفاقم محنة العمال الفقراء.

ومع ذلك، فإنه في حين أن مثل هذه المظالم حقيقية، فقد فقدت النقابات العمالية الكثير من النفوذ الذي كانت تتمتع به قبل ثمانينات القرن الماضي من أجل تحرير الاقتصاد.

وأظهرت أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم 38 بلدا، أن كثافة النقابات العمالية، أي عدد أعضاء النقابات كنسبة من الموظفين، تراجعت بأكثر من النصف في الاقتصادات المتقدمة من 33.9 في المئة في 1970 إلى 15.8 في المئة فقط في 2019.

وتكشف إحصائيات مكتب العمل الأميركي انخفاضا مماثلا خلال نفس الفترة في عدد حالات التوقف الخطيرة عن العمل في الولايات المتحدة وإجمالي عدد الأيام الضائعة بسبب الإضرابات.

ومنذ تسعينات القرن الماضي الذي يطلق عليه “العقد الضائع”، نادرا ما شهدت اليابان صراعا صناعيا، إذ مُنح قادة النقابات الأولوية أمانا في الوظائف والرواتب، بينما أقرت اقتصادات غربية أخرى مثل أستراليا قوانين لجعل الإضرابات أكثر صعوبة.

وبينما لا توجد في منطقة الشرق الأوسط الكثير من النقابات التي تسعى للدفاع عن العمال باستثناء تونس والمغرب والأردن ولبنان والجزائر، إلا أن الوضعية تبدو شبيهة بما يحصل في مختلف مناطق العالم.

وفي أوروبا لا تزال النقابات قادرة على ممارسة السلطة رغم تراجع أعداد أعضائها. لكن بيانات معهد الاتحاد التجاري الأوروبي (إي.تي.يو.آي) تظهر انخفاضا مشابها في إضرابات مع ظهور اتجاهات من الاستعانة بمصادر خارجية إلى اقتصاد الوظائف المؤقتة.

وقال كورت فانديلي باحث أول في المعهد “قد تكون هناك مظالم في المجتمع وعلى أرضية العمل، لكنها تحتاج إلى تنظيم وتوجيه”.

وأضاف “أماكن العمل المنقسمة قد تجعل من الصعب إقامة إضراب صناعي لأنه توجد في نفس المكان فئات مختلفة من العمال، وشركات مختلفة. وهذا يزيد من تكاليف التنسيق للنقابات”.

وحملت توقعات منظمة العمل الدولية في طيات تقرير نشرته في يناير الماضي حول تعافي أسواق العمل في 2022 الكثير من التشاؤم، بالنظر إلى التركة الثقيلة التي لا تزال تخلفها الجائحة على الاقتصاد العالمي.

وكانت المنظمة قد حذرت العام الماضي في تقرير عن النقابات العمالية من أنها تخاطر بالتهميش ما لم تخدم أولئك الذين يعملون في وظائف غير مستقرة أو غير رسمية لاسيما العمال الشباب الذين نادرا ما تكون العقود آمنة بالنسبة إليهم.

ولقلب الموازين ظهرت أدلة على أن النقابات تأخذ أساليب جديدة لتحقيق غاياتها من خلال الشبكات الاجتماعية أو تطبيق زوم، وصولا إلى دعم مواقع الإنترنت الخاصة بأصحاب العمل لنشر رسائلها.

ويبرز بعض قادة العمال، مثل كريستيان سمولز، الذي أدى نشاطه في مارس الماضي إلى أول مستودع منظم للعمالة في أمازون في جزيرة ستاتن، أو رئيس نقابة النقل في المملكة المتحدة ميك لينش كنجوم في هذا المضمار.

وقال المجلس الوطني لعلاقات العمل الأميركي هذا الشهر إن “التماسات التصويت لمعرفة ما إذا كان الموظفون يريدون الانضمام إلى النقابات زادت بنسبة 58 في المئة عن العام السابق إلى 1892 في الأشهر التسعة حتى الثلاثين من يونيو الماضي”.

ومن بين هؤلاء عمال في ستاربكس وشيبوتل، بينما أصبح موظفو التكنولوجيا أكثر صراحة بشأن الرواتب والظروف المحيطة بالعمل.

ومع ذلك، يؤكد خبراء أن القانون الأميركي الحالي لا يزال يمنح أصحاب العمل مجالا لتجنب تقديم عقود بشروط ملزمة قانونا.

وقال لين ويندهام المدير المساعد لمركز العمل بجامعة جورج تاون “في هذا البلد يعد الانتقال من عدم وجود نقابة إلى عقد نقابة رحلة صعبة للغاية”.

وتسعى آي.جيميتال، أكبر نقابة في ألمانيا، هذا العام لزيادة الرواتب بنسبة 8 في المئة، وهو تحول ملحوظ عن تركيزها الأخير على الأمن الوظيفي.

وفي بريطانيا، حيث يتطلع موظفو المطار والمحامون والمعلمون والمسعفون وعمال البريد والاتصالات والسكك الحديدية إلى اتخاذ إجراءات، يستشهد مؤتمر نقابات العمال إلى زيادة حركة المرور على صفحته على الإنترنت “للعثور على نقابة”.

وتبقى مسألة رؤية هذه الاتجاهات ملحة، لكن الحكومات تنتبه، فقد أدانت كوريا الجنوبية هذا الشهر الإضراب الذي تعرضت له دايو لبناء السفن والهندسة البحرية ووصفته بأنه “غير قانوني”.

وحذرت من التدخل لخرق العرض من قبل حوالي 100 مقاول من الباطن لتأمين زيادة في الرواتب بنسبة 30 في المئة.

في أوروبا لا تزال النقابات والاتحادات العمالية قادرة على ممارسة السلطة رغم تراجع أعداد أعضائها

وفي المقابل، فتح تحالف يسار الوسط الألماني، الذي يخشى أن تؤدي أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق إلى اضطرابات اجتماعية، مشاورات مع أرباب العمل والنقابات العمالية حول طرق حماية الأسر من ارتفاع التضخم.

وقال المحلل غيروني وجباورإن “الهدف هو جذب أكبر عدد ممكن من أصحاب المصلحة حتى يتمكنوا من إخبار الناس بأنهم يفعلون كل ما في وسعهم”.

وراقب فانديلي “تأثير مظاهرة” محتمل حيث تلهم إضرابات النقل الأخيرة العمل الصناعي من قبل القطاع العام أو العاملين في مجال الرعاية الصحية.

وتحث بعض الحكومات والبنوك المركزية على الاعتدال في الرواتب، محذرة من أن جولات الأجور السخية المفرطة يمكن أن تؤدي إلى دوامة تدفع التضخم إلى أعلى.

ولكن مع تباطؤ مكاسب الرواتب في معدل التضخم الرئيسي المدفوع بأسعار الغذاء والطاقة، فإن هذه الحجة ليست لها جاذبية تذكر لدى قادة العمل.

وتعتقد بورو أن “الخطر ليس ضغوط الرواتب التضخمية”. وأضافت “حقيقة أن العاملين لا يستطيعون المشاركة في الاقتصاد إلى الحد الذي يريدونه، حتى بالنسبة إلى الأساسيات مثل الطاقة والغذاء في بعض الحالات، تؤدي إلى حدوث ركود في الاقتصاد”.

العرب