نظراً إلى القدرة المثبَتة لروسيا وإيران على عرقلة الأولويات الغربية بشكلٍ مشتركٍ في الشرق الأوسط، يجب معاملة كلا البلدين كجزءٍ من المجموعة الاستراتيجية نفسها.
شكلت زيارة فلاديمير بوتين لـ طهران في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر رحلته الأولى خارج الحدود السابقة للاتحاد السوفيتي السابق منذ أن غزت قواته العسكرية أوكرانيا. ويعكس خيار الرئيس الروسي الأهمية التي يوليها لتحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.
والتقى بوتين خلال زيارته بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقام بوتين بهذه الزيارة للمشاركة في قمة طهران في سياق “عملية أستانا” لعام 2017. وقد تأسس هذا المنتدى بين تركيا وروسيا وإيران في عاصمة كازاخستان عام 2017، وشكّل بالنسبة إلى موسكو بديلاً عن مؤتمر جنيف للسلام بشأن سوريا. ومنطقياً، تصدّرت سوريا – وبشكل أكثر تحديداً موافقة روسيا وإيران على توغل تركي آخر في شمال غرب البلاد – جدول أعمال القادة.
أكثر من رسالة إلى الغرب
في الوقت الحالي، جرى تفادي الغزو التركي. وبالنسبة لبوتين، كان للقمة نتيجة أخرى مهمة بشكلٍ خاصٍ وهي دعْم خامنئي العلني للحرب في أوكرانيا. فقد ردد المرشد الأعلى الإيراني رواية بوتين بشكل شبه حرفي قائلاً: “لو لم تكن قد اتخذْتَ المبادرة بنفسك، لكان طرفٌ آخر قد أخذ زمام المبادرة وتسبب باندلاع الحرب”. وأضاف: “حلف الـ”ناتو” هو كيان خطير”.
وأظهرت القمة أن العلاقة الوثيقة مع إيران ستكون الآن أكثر أهمية بالنسبة لموسكو. ويشكل هذا التقارب الخطوة التالية الطبيعية، وليس فقطبسبب عزلة روسيا عن الغرب. وفي الواقع، شهدت العلاقة الثنائية نمواً متواصلاً قبل أن توصلها الحرب في سوريا إلى ذروة غير مسبوقة.
وإذاً، لم تتعلق رحلة بوتين حصراً بتوجيه رسالة إلى الغرب مفادها أنه ليس وحيداً. فروسيا وإيران تستعدان لتطوير علاقاتهما السياسية والاقتصادية. وفي وقتٍ سابق، أوضحَ كبار المسؤولين الروس أن القمح في البلاد متاح للدول الصديقة، ومن المحتمل أن تكون روسيا مستعدة لتزويد إيران بالمزيد من القمح. وواصلت الدولتان أيضاً مناقشة سبل التحايل على العقوبات من خلال إنشاء ممر نقل بري بحري بين الشمال والجنوب، يربط روسيا بالخليج العربي، والذي من شأنه أن ينقل البضائع الروسية إلى الهند.
وبعد القمة، صدّق بوتين أيضاً على بروتوكول للتجارة الحرة بين إيران و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” – أي البديل الخاص ببوتين عن “الاتحاد الأوروبي” – وبالتالي اتخذ خطوة أخرى نحو إنشاء منطقة تجارة حرة بين روسيا وإيران. ونوقِش هذا الاحتمال للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأخيراً، أفادت بعض التقارير عن توقيع صفقة نفط وغاز بين إيران وشركة “غازبروم” التي تملكها الدولة الروسية، ولكن التفاصيل ما زالت غامضة. وفي حين زعمت بعض التقارير أن القيمة المحتملة لهذه الصفقة تبلغ 40 مليار دولار، إلّا أن شركة “غازبروم” لم تعلن بنفسها عن رقم محدد.
مجموعة استراتيجية
سيكون المعلِّقون محقين في الإشارة إلى أن الخطاب الرسمي الروسي والإيراني بشأن الصفقات الاقتصادية مبالَغ فيه، ولا يزال من غير الواضحإلى أي مدى يمكن أن تساعد روسيا وإيران اقتصاد بعضهما البعض. ولكن الأمر خارج عن الموضوع إلى حدٍ ما.
ولن تنفصل روسيا عن إيران – سواء في سوريا أو في أي مكانٍ آخر. ومن جهته، سيستمر بوتين في الاعتماد على الانقسام الطويل الأمد في الغرب، الذي لم يعرف قادته حرباً على الأراضي الأوروبية بالحجم والضخامة التي تشهدها أوكرانيا اليوم. وما كان ينبغي لأحد أن يتفاجأ من مهاجمة القوات الروسية لميناء أوديسا بعد يومٍ واحدٍ فقط من توقيع موسكو اتفاقاً كان من المفترض أن يرفع الحصار الروسي على البحر الأسود ويخفف من أزمة الغذاء في العالم. فهكذا تخوض روسيا الحرب.
وفي غضون ذلك، يتقدّم برنامج طهران النووي بسرعة، وفقاً لرئيس “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” رافائيل غروسي. ويقول كمال خرازي، مستشار خامنئي في السياسة الخارجية، إن إيران أصبحت الآن بلداً بلغَ العتبة النووية. ويواصل القادة الغربيون طوال الوقت الاعتماد على روسيا في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من غزو بوتين لأوكرانيا.
وحين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يؤدي التغاضي عن روسيا وإيران باعتبارهما جهتين فاعلتين ضعيفتين إلى السماح للبلدين باتخاذ مبادرة استراتيجية في بعض الأماكن مثل سوريا. ومعاً، لا يزال بإمكانهما عرقلة المصالح الغربية وتهديد الأمن الإقليمي. وتشكل روسيا وإيران، أكثر من السابق، جزأين لا يتجزآن من المجموعة الاستراتيجية نفسها.
معهد واشنطن