في المحطة الثانية من جولتها الآسيوية التي تشمل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان، وصلت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى العاصمة الماليزية كوالا لامبور قادمة من العاصمة السنغافورية حيث عقدت اجتماعات مع قادة سياسيين وبرلمانيين، وسمعت من رئيس الوزراء هناك تأكيدات على «أهمية علاقات صينية ـ أمريكية مستقرة لسلام المنطقة وأمنها». ومن المرجح أن تسمع بيلوسي تصريحات مماثلة في سول وطوكيو، حيث يسود حرص مماثل لدى الحكومتين الكورية الجنوبية واليابانية، إذْ أن آخر ما تتمناه هذه المجموعة الآسيوية هو نشوب نزاع عالمي جديد على غرار الاجتياح الروسي لأوكرانيا، تكون تايوان ساحته هذه المرة.
وليس خافياً أن ما تردد من احتمال أن تكون محطة بيلوسي الخامسة هي تايبه، عاصمة تايوان، ليس محفوفاً بالإشكاليات والمخاطر والتعقيدات فقط، بل يبدو أنه لا يحظى بشعبية في البيت الأبيض استئناساً برأي البنتاغون فعلياً، بدليل التصريح غير المسبوق من الرئيس الأمريكي جو بايدن بصدد اعتقاد الجيش بأن هذه الزيارة ليست فكرة جيدة في الوقت الحالي. دليل آخر جاء من بيلوسي نفسها، ومن الناطقين باسمها وأعضاء الفريق الأمريكي البرلماني الذي يرافقها، إذْ لم يتوفر أي ذكر لزيارة إلى العاصمة التايوانية، وبقي الأمر في الإطار الاحتمالي.
وقبل تصريح بايدن، الذي أوحى أنه على علم بإمكانية تحقيق الزيارة فعلياً، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد تحادث هاتفياً مع نظيره الأمريكي وأبلغه بما هو غير مسبوق أيضاً، في أن «حماية السيادة الوطنية للصين وسلامة أراضيها بحزم تعكس الإرادة الراسخة لأكثر من 1.4 مليار صيني، وأولئك الذين يلعبون بالنار سيهلكون بها». كذلك لم يكن غريباً أن يأتي المتحدث باسم الخارجية الصينية على ذكر الجيش وأنه لن يقف مكتوف الأيدي إذا تمت الزيارة، وستتخذ الصين إجراءات صارمة «تضمن سيادتها ووحدة أراضيها».
ذلك لأن بيلوسي لن تنتقل إلى تايبه إلا بحوّامة تابعة للجيش الأمريكي، وهذا يعني أن بايدن بوصفه القائد الأعلى للجيش موافق ضمناً على الزيارة، ومن هنا منطق التلميح إلى عدم سكوت الجيش الصيني. صحيح أن البيت الأبيض، على غرار إدارات سابقة جمهورية وديمقراطية على حد سواء، يتمسك بما يسمى «سياسة صين واحدة»، إلا أن القيادة الصينية تطالب في المقابل بتطبيق «مبدأ صين واحدة» من جهة أولى. كما أن الرئيس الصيني بحاجة، من جهة ثانية، إلى تحشيد شعبي قومي حول تابعية تايوان للوطن الأم، بالنظر إلى انعقاد المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني في الخريف المقبل حيث يتطلع جين بينغ إلى ولاية رئاسية ثالثة.
وإذا صحّ أن انتخابات الكونغرس التكميلية المقبلة هي الدافع الأبرز وراء جولة بيلوسي الآسيوية، وأنها شددت على عناوين فضفاضة مثل «الأمن المشترك» و«الشراكة الاقتصادية و«الحكم الديمقراطي»، إلا أن زيارتها إلى تايبه سوف تكون الثانية النادرة لرئيس مجلس نواب أمريكي بعد الجمهوري نوت غنغرش في سنة 1997، ولكنها قد تشعل أزمة عالمية وخيمة العواقب في مضيق تايوان الحساس، ضمن سياقات دولية مواتية تماماً لنشوب الأزمات وليس لتفادي وقوعها.
القدس العربي