عادت حركة “رجال الكرامة” إلى واجهة الحدث السوري، إثر قيامها مع فصائل أهلية أخرى، باجتثاث أبرز وأخطر المليشيات المرتبطة بالأجهزة الأمنية للنظام السوري، في منطقة السويداء، جنوبي سورية.
واعتبر المقاتل في الحركة، معضاد العبد الله، أن “لا ارتباط لنا بأي جهة. نحن نقاتل من أجل كرامة السويداء”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لم يعد لدى النظام ما يقدمه سوى الفوضى الأمنية ودعم المليشيات التي تمتهن الخطف وتجارة المخدرات، وتعد عصا السلطة لردع أي حراك مناهض لها”.
وشدّد على أن “حركة رجال الكرامة لن تتوقف حتى تستأصل كل هذه المجموعات، وتضع حدّاً للتدخل الإيراني في شؤون أهل السويداء”.
قضت الحركة الأسبوع الماضي على مليشيا بقيادة راجي فلحوط
وقضت الحركة الأسبوع الماضي على مليشيا بقيادة راجي فلحوط، المدعوم من جهاز “الأمن العسكري”، وهو من أقسى الأجهزة الأمنية في التعامل مع السوريين. وعُدت العملية خطوة كبيرة باتجاه اجتثاث كل المجموعات الخارجة على القانون، التي يعتمد عليها النظام في ضبط الشارع في محافظة السويداء، التي يشكل الدروز غالبية سكانها، وهو ما أعطاها خصوصية في سورية منذ عام 2011.
بدايات “رجال الكرامة”
وحركة “رجال الكرامة” ليست فصيلاً طارئاً على المشهد السوري، فقد تأسست في نهاية عام 2013 من قبل مجموعة من رجال الدين في بلدة المزرعة. وأُطلق على الحركة بداية، اسم “مشايخ الكرامة”، وسرعان ما تمددت الحركة إلى مدن السويداء وشهبا وصلخد وبعض البلدات، معتمدة على ذاتها في التمويل والتسليح.
وظهرت أول أهداف الحركة في الاجتماع التأسيسي في مايو/أيار 2014، مع انتخاب الشيخ وحيد البلعوس قائداً للحركة، فأصدر بياناً أعلن فيه عداءه للسلطات الأمنية، المتمثلة بفرع الأمن العسكري ورئيسه حينها العميد وفيق ناصر، متهماً إياه بإفساد المجتمع المحلي وتفكيكه.
وطالب البلعوس بموقف حاسم تجاه الأحداث السورية يتسم بالحياد، وتشكيل مجلس ديني مذهبي لا يتبع لأي سلطة ينظم شؤون الطائفة وينتخب فيه مشايخ العقل. وهو ما أسس لعداء معلن بين الحركة والنظام السوري والمؤسسة الدينية التقليدية في المحافظة.
واتجهت الحركة إلى التوسع من خلال ضم الشباب غير المتدين إلى صفوفها، وأنشأت صندوقاً للتمويل بالمال والسلاح اعتمد على مغتربي أبناء السويداء والمقتدرين بالداخل.
في صيف 2014 خاضت الحركة أولى معاركها ضد “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حالياً) التي كان لها حضور آنذاك في جنوب سورية، تحديداً في محافظة درعا المجاورة لمحافظة السويداء. وكانت هذه المعركة نقطة الفصل في علاقة الحركة مع النظام السوري والقيادة الدينية، وقُتل 5 من أعضاء الحركة منهم الأخ الأصغر للشيخ البلعوس، الذي اتهم القوات الأمنية بالخيانة وإطلاق النار على مقاتلي الحركة من الخلف.
وكانت هذه المعركة مقدمة لنشاط وتمدد كبيرين للحركة على المستوى الشعبي، فخاضت معارك ضد تنظيم “داعش” في الحقف وشقا، وحمت شباب المحافظة الذين رفضوا تأدية الخدمة العسكرية في قوات النظام، وهاجمت أكثر من حاجز أمني في كل مرة يعتقل فيها النظام مطلوبين أو فارين من الخدمة الإلزامية.
ولم تتوقف الحركة عند هذا الحد، بل صعّدت في مطلع عام 2015 من خطابها السياسي ضد السلطة، وقامت بعدة أعمال على الأرض تُظهر هيمنتها وقوتها، فأزالت حاجزاً لجهاز “المخابرات الجوية” على الطريق الواصل من بلدة المزرعة إلى مدينة السويداء مركز المحافظة، ثم احتجزت مدرعات لقوات النظام كانت بطريقها لدمشق، متهمة الأجهزة الأمنية بإفراغ المحافظة من قوات الحماية.
ورفض البلعوس مقابلة رأس النظام بشار الأسد في دمشق، واتهمه بقصف السويداء في يونيو/حزيران 2015 لتوجيه أصابع الاتهام الى عشائر البدو في المحافظة لخلق فتنة تؤدي إلى احتراب بين الدروز والبدو.
وفي منتصف عام 2015 تم تفجير موكب الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه أثناء توجهه إلى بلدة سالي عبر طريق ظهر الجبل، فقُتل مع عدد من رفاقه، قبل وقوع تفجير ثان على مدخل مستشفى السويداء العام، قُتل فيه عدد آخر من رجال الحركة والمدنيين. واتهم ليث البلعوس، ابن الراحل، إيران و”حزب الله” باغتيال والده في ظهور على تلفزيون “سورية” المعارض العام الماضي، مؤكداً أن “الإيرانيين يدعمون عصابات الجريمة والخطف في السويداء وينشرون المخدرات”.
وبعد أيام من تشييع الشيخ البلعوس ورفاقه في بلدة المزرعة، انتخبت الحركة شقيقه رأفت قائداً لها، وانتخب الشيخ يحيى الحجار نائباً له، ولكن الركود كان السمة البارزة للحركة مع انسحاب عدد من أعضائها وتشكيل فصائل أخرى، كان أهمها فصيل “قوات شيخ الكرامة” بقيادة ليث وحيد البلعوس.
مصدر في “رجال الكرامة”: ستواصل ملاحقة العصابات الإرهابية
تسلّم الحجار قيادة الحركة بعد تنازل رأفت البلعوس لأسباب صحية، وحاول المحافظة خلال سنوات على مبادئ الحركة في حماية حدود المحافظة وحماية أبنائها من حالات الاعتقال. وبنى جسوراً بعد عُزلة مع رجال الدين، إلى أن اختُبرت الحركة مرة أخرى في معاركها مع “داعش” في منتصف عام 2018، وكان لها الدور الحاسم إلى جانب أبناء المحافظة في دحر الهجوم على القرى الشرقية من محافظة السويداء.
بعدها، احتجزت الحركة أكثر من 70 شخصاً كمحاولة للضغط على “داعش”، من أجل إطلاق سراح الأسرى والمختطفات لديها، وما لبثت أن أفرجت عنهم بعد وساطة. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، انكفأت الحركة بعد الفشل في محاصرة مقر الأمن العسكري وأماكن تمركز عصابة راجي فلحوط في بلدة عتيل.
ودعم النظام هذه العصابة بالسلاح الثقيل والعناصر فتحكمت بالمحافظة بشكل شبه كامل، وفتحت مقرات لها وجنّدت الخارجين على القانون معه، والعاطلين من العمل، وامتهنت تهريب المخدرات إلى الأردن. وكان اختطاف عدد من أبناء بلدة شهبا من آل الطويل من قبل هذه العصابة الأسبوع الماضي الشرارة الأولى لانطلاق غضبة شعبية هدفها القضاء على هذه العصابة، مهما كلّف ذلك من ثمن.
وكانت مشاركة حركة “رجال الكرامة” بالمعركة حاسمة لجهة اجتثاث عصابة فلحوط من محافظة السويداء، وهو ما اعتُبر ضربة للنظام السوري الذي لم يتدخل بما جرى في بلدة عتيل من مواجهات دامية، لعدم إثارة الغضب الشعبي ضده.
ضمانة السويداء
وحول تجدد نشاط حركة “رجال الكرامة”، اعتبر الصحافي نورس عزيز، وهو ابن محافظة السويداء، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الحركة تعمل على حماية الأرض والعرض من دون مقابل”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: لطالما كانت الحركة الضمانة التي حمت وستحمي أهل السويداء في مواجهة أية مخططات، سواء كانت بأذرع خارجية أو بأيادي بعض شباب المحافظة الذين تم استغلال أوضاعهم الاقتصادية الصعبة وجرّهم لمستنقع الأفرع الأمنية والمليشيات الإيرانية وجماعات من حزب الله.
ورأى عزيز أن الحركة “تحتاج لإعادة هيكلة تنظيمية على مستوى القيادات، وإلى دعم من المجتمع المحلي في السويداء، لأخذ دورها في ضبط الوضع الأمني وملء الفراغ الذي ستتركه العصابات الأمنية”. وشدّد على أن “الشيء الأهم هو انتقال الحركة من شكلها الذي يمكن أن يخلخل بنيتها، كما حدث في نهاية عام 2015 إلى شكل جديد يضمن استمراريتها لسنوات طويلة”.
من جانبه، أشار الكاتب عاطف عامر، وهو من السويداء، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “غالبية المجتمع المحلي مع تنظيف المحافظة من عصابات استباحت كل القيم الموروثة، وسارت في طريق الخطف والقتل والسلب وإركاع الخارجين عن شرعيتها بدعم متعمد ومقصود من الأجهزة الأمنية”.
وأضاف: “نعول على حركة رجال الكرامة أن تكمل باتجاه استعادة القضاء النزيه، وتحرير النيابة العامة من تغوّل الأجهزة الأمنية، فيكون للقضاء السيادة على كل مسؤول في الدولة وكل خارج على القانون”.
وأكد مصدر في الجناح الإعلامي للحركة، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع “العربي الجديد” أن الحركة “ستواصل ملاحقة العصابات الإرهابية، وتحاول بمساعدة الأهالي حقن الدماء من خلال دفع المطلوبين لتسليم أنفسهم”، مضيفاً: لدينا قائمة بأسماء المطلوبين وفقاً لبيانات وجدناها في مقر عصابة فلحوط، وعلى أساس اعترافات الأسرى، والحركة تقوم بعمليات مداهمة للذين تواروا عن الأنظار.
وأشار إلى أنه “طالبنا كل المجموعات المشتبه بارتباطها بأفرع أمنية أو جهات خارجية، بتسليم السلاح الثقيل”، مضيفاً: سنلاحق كل العصابات الخارجة على القانون، لوضح حد لعمليات الخطف والقتل والسرقة وتهريب المخدرات.
العربي الجديد