على الرغم من إعلان تحالف “الإطار التنسيقي“، الذي تنضوي تحته القوى الحليفة لإيران في بغداد، موافقته المشروطة على إجراء انتخابات جديدة، إلا أن أطرافاً فيه تواصل طرح فكرة الذهاب لهذه الانتخابات بحكومة جديدة غير الحالية التي يرأسها مصطفى الكاظمي، وهو ما يعارضه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ويعتبره، بحسب مقربين منه، محاولة التفاف جديدة من قبل التحالف، الذي بات الآن الكتلة الأكبر داخل البرلمان بعد انسحاب التيار الصدري منه في يونيو/ حزيران الماضي.
وبعد تباين واضح بوجهات نظر قيادات “الإطار التنسيقي” إزاء دعوة الصدر، وإعلان عدد منها تأييد الدعوة بشكل منفصل، ما أشّر إلى بوادر انقسام داخل “الإطار”، أعلن التحالف، الخميس الماضي، بعد اجتماع لقياداته، دعمه إجراء انتخابات مبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني حولها، وتوفير الأجواء الآمنة لإجرائها، ويسبق كل ذلك العمل على “احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها”.
إلا أن زعيم دولة القانون نوري المالكي أعلن، مساء أمس الإثنين، رفضه حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة إلا بعد عودة البرلمان إلى الانعقاد بشكل طبيعي، وهو ما يمثل تناقضاً بالمواقف.
وقال المالكي، في كلمة له، إن “العراق بلد مكونات، وشعبه يتشكل من مكونات ومذاهب وقوميات، ولا يمكن أن تفرض عليه إرادة إلا بإرادة الشعب بالكامل، عبر مؤسساته الدستورية، التي يمثلها البرلمان المنتخب”، مشدداً على أن “لا حلّ للبرلمان ولا تغيير للنظام، ولا انتخابات مبكرة، إلا بعودة البرلمان إلى الانعقاد، وهو الذي يناقش هذه المطالب، وما يقرره نمضي به”.
وكشف عضو في التحالف ذاته، لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم الكشف عن اسمه، عن “خلافات غير سهلة” بين قوى الإطار التنسيقي حول كيفية التعامل مع المرحلة الحالية، وسط مخاوف من أن تنتهي باصطدام في الشارع بين أنصار المعسكرين السياسيين الشيعيين (الإطار التنسيقي، والتيار الصدري).
ويتمسك الصدر بمطالبه التي قد تبدو أنها حلول للأزمة السياسية في البلاد، لكنها تعكس مدى الاحتقان السياسي وتبدُّل معادلات المشهد، الذي سارت عليه البلاد بعد الغزو الأميركي عام 2003.
وفي السياق، قال العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، لـ”العربي الجديد”، إن “احتجاجات واعتصامات التيار قد تستمر إلى وقت أطول، لأن الإطار التنسيقي حتى الآن لم يقدم على أي تنازلات، بل إنه متمسك بما يُعبّر عنه قادة الإطار بأنه حصة المكوّن الشيعي، فيما يتحدث الإطار عن الدستور وتمسّكه به، وكأن الدستور يدعم المحاصصة الحزبية والطائفية”.
واعتبر أن “هناك انحرافاً للديمقراطية بسبب تفسيرات المحكمة الاتحادية، حتى تحوّلت الديمقراطية إلى خيال، جراء التلاعب بالقرارات، وتحويل مصدر القرار من أكبر كتلة برلمانية، وهي الكتلة الصدرية، إلى مجموعة قوى خاسرة بالانتخابات لتقرر مصير الشعب عبر التوافقات والمحاصصة المقيتة”.
فرصة الحوار ليست بعيدة
وبشأن الخطوات المقبلة للتيار الصدري، أشار حسين إلى أن “الصدر لديه مفاجآت فيما يتعلق بطريقة الاحتجاجات، مع التأكيد على أن الحراك الصدري الحالي ليس للحصول على مكاسب سياسية، أو لتشكيل حكومة ما، بل لإنقاذ العملية السياسية والديمقراطية”.
وأكد أن “فرصة الحوار ليست بعيدة، والصدر لم يغلق أبوابه بوجه أحد، لكن إن حدث الحوار فإنه سيكون وطنياً جامعاً، تُشارك فيه كل أطياف الشعب العراقي من أجل إعادة صياغة وترتيب العملية السياسية عبر الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وألا تتدخّل إيران أو أميركا في هذا الحوار”.
من جهته، بيَّن عضو “الإطار التنسيقي”، عائد الهلالي أن “تصعيد أنصار التيار الصدري لا يخدم العملية السياسية، وأن الحوارات لا بد أن تجري سواء في الوقت الحالي أو بعد حين”.
وأكد الهلالي، في حديث مقتضب مع “العربي الجديد”، أن “الإطار التنسيقي يأمل بأن يعدل الصدر عن خياراته الاحتجاجية وإعادة الحياة السياسية إلى طبيعتها في المنطقة الخضراء”. وأضاف: “مثلما التيار الصدري لديه شروط في المرحلة المقبلة، لدى الإطار التنسيقي أيضاً شروط“. وشدد على “أن حل هذه الأزمة لا يتم عبر الشارع والميادين العامة والمؤسسات الحكومية، بل من خلال حوار سياسي هادئ”.
إمكانية كبيرة لتنفيذ مطالب الصدر
وحول هذه التطورات، أكد المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، لـ”العربي الجديد”، أن “هناك إمكانية كبيرة لتنفيذ مطالب الصدر، من ضمنها حل البرلمان، وفق المسار الدستوري، من خلال تقديم ثلث أعضاء البرلمان طلباً بذلك، أو عبر المسار السياسي الذي يتمثل بالحوارات”.
الهلالي: “الإطار التنسيقي” يأمل بعدول الصدر عن احتجاجاته
وأضاف أنه “في كل الأحوال لا يريد الإطار التنسيقي أن تستمر أزمة الصدريين بتحويل البرلمان إلى مؤسسة معطَّلة بين كل فترة وأخرى، وهو سيمضي باتجاه حل البرلمان كجزء من القناعة الداخلية لدى بعض أطراف الإطار، ونزولاً عند الرؤية الإيرانية التي طرحها رئيس فيلق القدس إسماعيل قاآني بضرورة الذهاب نحو انتخابات جديدة”.
ولفت الشمري إلى أن “هناك صراع قوة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، والأخير لا يريد أن يظهر ضعيفاً أمام جماهيره ومنقاداً لضغط التيار”.
واعتبر أن “الصدر قد لا يتخلى عن مطلب حل البرلمان في حال اتّفق على التوجه نحو المرحلة الانتقالية الجديدة، التي سيفرض فيها الصدر شروطه. وهذه الشروط هي التي ستؤدي إلى أزمة وليس تعطل الحياة السياسية حالياً. بالتالي فإن الإطار التنسيقي المقسّم إلى اليمين الذي يمثله نوري المالكي وقيس الخزعلي، واليسار الذي يضم حيدر العبادي وهادي العامري، والوسط متمثلاً بفالح الفياض، قد يجد نفسه منكسراً على المستوى السياسي، ما سيفاقم المشكلة”.
أما عضو “الحركة المدنية الوطنية” محمد الساعدي، فلفت إلى أن “الصدر مُصرّ على عدم الحوار مع قوى الإطار التنسيقي، لكنه قد يتفق عبر أطراف تنوب عنه في اجتماعات غير معلنة على قانون الانتخابات الجديد، لأن الصدر يعرف جيداً أن الحوار سيجعله شريكاً مع الأحزاب الأخرى في أي فشل مستقبلي”.
وأكد لـ “العربي الجديد”، أن “الصدر قد يتجه خلال الأيام المقبلة إلى توسيع رقعة الاحتجاجات، ومطالبة أعضاء البرلمان بتقديم استقالاتهم، وهو قادر على البقاء بخيار الاعتصام لأطول فترة ممكنة”.
العربي الجديد