يخوض زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وأنصاره، مقابل «الإطار التنسيقي» الشيعي، حراكاً احتجاجياً لفرض إرادة الطرفين الشيعيين المنقسمين على «مستقبل» العملية السياسية، في تطورٍ بدأت انعكاساته تتضّح جليّاً على الشارع العراقي، الذي نظّم نفسه إلى فريقين؛ الأول مؤيد لإجراء انتخابات مبكّرة وحلّ البرلمان (مجلس النواب) ودخول البلاد إلى مرحلة «كسّر العظم» فيما قرّر الفريق الثاني الانتقال إلى «الشارع» لمنافسة الصدر، على أمل إعادة السلطة التشريعية واختيار رئيس جمهورية ووزراء جديدين، وسط ترقّب لاحتمالية لجوء الطرفين إلى «النزاع المسلّح».
أنصار الصدر اتخذوا طريقاً مختلفاً للتعبير عن رفضهم مضي خصومهم في «الإطار» بمشروع تشكيل الحكومة الجديدة، وقرروا تقديم جمّلة دعاوى إلى السلطة القضائية للمطالبة بحلّ البرلمان.
ويبدو إن الصدر يفكّر بإعطاء زخمٍّ أوسع لاحتجاجاته عندما أمر أنصاره بإقامة احتجاجاتهم في المحافظات، واقتصر على المشاركة في اعتصام «الخضراء» لسكّان العاصمة الاتحادية بغداد.
أتباع الصدر بدأوا تفعيل حراكهم الاحتجاجي في المحافظات العراقية مساء أول أمس، ليستمر لنحو ساعتين (5-7 مساءً بالتوقيت المحلي) قبل أن توجّه اللجنة المركزية التابعة للتيار الصدري، متظاهري المحافظات بالانسحاب والعودة إلى منازلهم.
ونظّم أتباع الصدر احتجاجاتهم في 10 محافظات (ذي قار، وبابل، وواسط، والديوانية، وميسان، والبصرة، والمثنى، وديالى، وصلاح الدين، ونينوى) بالإضافة إلى الاعتصام في العاصمة بغداد.
لكن في الطرف المقابل، اتخذ أنصار «الإطار» الشيعي، خطوة تصعيدية تواكبّ- إلى حدٍّ- ما خطوة أتباع الصدر، عندما قرروا تحويل احتجاجات الجمعة إلى «اعتصامات» لكن في محيط «المنطقة الخضراء» أو حسبما يقولون «على أسوارها».
وقالت اللجنة التنظيمية لتظاهرات «الشعب يحمي الدولة» التابعة لأنصار «الإطار» في بيان صحافي إنه «على بركة الله، اجتمعت حشود الجماهير الغفيرة في هذه التظاهرة الوطنية، والتي نعلن ختامها بإعلان الاعتصام المفتوح من أجل تحقيق مطالبنا العادلة، وهي الإسراع بتشكيل حكومةٍ خدميةٍ وطنيةٍ كاملة الصلاحيات وفق السياقات الدستورية؛ لإعادة هيبة الدولة ومعالجة مشاكل المواطن العراقي».
وطالبت اللجنة القوى السياسية- وخصوصا الكردية منها- بـ«التعجيل في حسم مرشح رئاسة الجمهورية، وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء، وإنهاء كل ما يعيق الإسراع بحسم الموضوع» معلنة الدعم «للقضاء العراقي ومؤسساته ونرفض أي تجاوز عليه، أو إساءة له، فهو الركيزة الأساس التي تقوم عليها الدولة العراقية».
كما طالبت، رئيس مجلس النواب «بإنهاء تعليق العمل، والتحرك الفاعل من أجل إخلاء المجلس وتفعيل عمله التشريعي والرقابي، فهو منتخب من الشعب، والشعب له حقوق معطَّلة، وينتظر من ممثليه أداء واجباتهم بصورة كاملة» داعية القوات الأمنية إلى «حماية مؤسسات الدولة والحفاظ على هيبتها، وتمكينها من أداء عملها بدون أي معرقلات، لأنها وُجِدَتْ لخدمة المواطن، ولا يمكن السماح لأحد بمنعها وغلقها لأي سبب كان».
وحثّت اللجنة أيضاً القوى السياسية على «الالتفات إلى الشعب» ودعت إلى «الالتزام بالقانون والدستور لمواجهة تحديات الغلاء المعيشي وفساد البطاقة التموينية، وشح الماء، كما نطالب بإنهاء مأساة الكهرباء في هذا الحر اللاهب، وغيرها من الخدمات الأساسية التي يجب على الدولة تقديمها للمواطنين».
ونبه البيان إلى أن «البلد بدون حكومةٍ كاملة الصلاحيات قد وصل إلى مرحلة صعبة، وتعاني الجماهير مِن هذا الوضع المأساوي أشدّ المعاناة، فاتركوا مصالحكم الشخصية والحزبية والفئوية، واحتكموا إلى الدستور والقانون».
وتابع: «من خلال تظاهراتنا هذه واعتصامنا الذي أعلنّا عنه الآن، فإننا نعلن التزامنا التام وطاعتنا لكل ما يصدر من المرجعية الدينية العليا».
وبالتزامن مع الاحتجاجات المضادة للصدر، عبّر «الإطار» عن موقفه المؤيد «للحوار» في إدارة الدولة العراقية، معتبراً إنه لا يمكن لطرف أن «يصادر إرادة الجميع تحت أي ذريعة».
وفي ساعة متأخرة من مساء أول أمس، قال «الإطار» في بيان صحافي، انه «يتقدم بشكره العميق وامتنانه الكبير إلى الجماهير العراقية بفئاتها المختلفة وشرائحها الاجتماعية المتنوعة وهي تتظاهر في بغداد عاصمة الدولة ومركز المشروع الوطني الصامد بوجه محاولات الإلغاء، وفي البصرة الفيحاء خزان العراق المادي والمعنوي وعاصمته الاقتصادية، وفي نينوى أم الربيعين وعروس التحرير معبرة عن وحدة موقفها وقانونية مطاليبها في الدفاع عن الدولة ومؤسساتها الدستورية وخصوصاً القضاء والسلطة التشريعية».
وأعرب عن تضامنه مع «إرادة المتظاهرين التي أكدت مطالب الأغلبية الوطنية في الحياة الحرة الكريمة وقيام حكومة الخدمة الوطنية التي توفر العيش الكريم لأبناء الشعب العراقي كافة، ونعاهد الجماهير العراقية بالعمل الجاد والمتواصل من أجل تحقيق مطاليبها ولن نحيد عن هذه الأهداف الوطنية الكبرى ما دامت مرتبطة بآمال هذا الشعب وتطلعاته وطموحاته في المساواة والعدالة الاجتماعية، والأهم من ذلك أن هذا الوطن لا يدار إلا بالحوار والتفاهم بين جميع أبنائه ولا يمكن لطرف أن يصادر إرادة الجميع تحت أي ذريعة أو حجة».
في الطرف المقابل، وما أن انتهت «الفعالية الاحتجاجية الصدرية» وجه زعيم «التيار» رسالة إلى متظاهري «الإطار» في «تغريدة» على «تويتر» جاء فيها «إننا وجماهير الإطار لا نختلف على وجود الفساد واستشرائه في البلاد وان اختلفنا مع قياداته في ذلك، فأن فسطاط الإصلاح في تظاهراته انما يتظاهر من أجلكم أيضا يا جماهير الإطار، فالعجب كل العجب من عدم مناصرتكم لنا من أجل إنقاذ الوطن الذي وقع أسير الاحتلال والإرهاب والفساد».
وأضاف: «لتكن مظاهراتكم نصرة للإصلاح لا نصرة لهيبة الدولة والحكومات التي توالت على العراق بلا أي فائدة ترتجى» مردفا: «ألا تريدون كرامتكم وحريتكم وأمنكم ولقمتكم وسلامتكم وصلاحكم كما نحن نطالب!؟».
وتساءل الصدر: «أيعقل أن لا تستلهموا من إمامكم الحسين الإصلاح وإسقاط دولة يزيد ولم يراع هيبتها؟».
وأكمل: «فإن رفضتم ذلك، فأعلموا أنكم حينما تظاهرتم واعتصمتم على ما اسميتموه (تزوير الانتخابات) لم نحاول التظاهر والاعتصام تزامنا معكم على الرغم من قدرتنا على ذلك».
ومضى مخاطباً أنصار «الإطار» بالقول: «قررتم التظاهر تزامنا مع مظاهرات الإصلاح فلتكن مظاهراتكم سلمية ولتحافظوا على السلم الأهلي، فالعراق أهم من كل المسميات، وعموما فأن أيدينا ممدودة لكم يا جماهير الإطار دون قياداته، لنحاول إصلاح ما فسد سيرا على نهج الإمام الحسين (ع) وسير مرجعنا الصدر».
وختم الصدر قائلا: «أما أن رفضتم فنحن ماضون بالإصلاح طاعة لله وحبا بسيد الإصلاح وحبا بالوطن والسلام على من اتبع السلام».
لكن غريم الصدر، زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، عدّ تصعيد «الإطار» ولجوء جماهيره إلى الشارع بأنه يأتي مضاداً لـ«منع أيّ جهة» الاستحواذ على الشارع.
وقال المالكي في بيان صحافي، أن «التظاهرة الحاشدة التي دعا لها الإطار التنسيقي، عبرت عن تفاعل جماهيري كبير لمواقف الإطار، وبعثت برسالة واضحة ان الجماهير العراقية بتوجهاتها كلها تفاعلت مع الدفاع عن شرعية الدولة، وحماية المؤسسات الدستورية التشريعية والقضائية، وهي بسلمية فعاليتها بعثت برسالة أخرى إلى كل المكونات السياسية؛ ان تعالوا إلى كلمة سواء لعبور الأزمة التي يخشى منها على المسار السياسي الدستوري، ولاجتناب تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، وتعطيل مجلس النواب المنتخب الذي تشكل وفقاً للقانون والدستور، وعرقلة انعقاد جلساته، في وقت يتطلع العراقيون إلى حكومة خدمات، تنهض بمتطلبات الشعب وحاجاته، وترفع عن كاهله المعاناة والفقر».
وأضاف، أن «التظاهرات أوضحت دون شك، ان الشارع لا يمكن ان تستحوذ عليه جهة دون أخرى، وانما هو ساحة تفاعل واستجابة لكل ما هو دستوري ومشروع، وان العراقيين الذين صنعوا عرس الانتخابات -مع ما شابها من اخفاقات- تظاهروا اليوم، وهم يريدون ان يروا مؤسسات الدولة تعمل وتنشط، وتقدم الخدمات والرعاية والإعمار، ولا يريدون ان يروها معطلة دون وجه حق شرعي ولا وطني ولا دستوري».
وبين الطرفين المتخاصمين، بادر زعيم ائتلاف «الوطنية» أياد علاوي إلى طرح عقد جلسة برلمانية بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية؛ لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة.
وقال علاوي في بيان، إنه «لطالما دعونا إلى الحوار الوطني الذي نرى فيه حلاً للأزمات وتجاوز حالة الفوضى والتعقيد وكذلك طالبنا ومنذ العام 2010 بتشكيل مجلس أعلى للسياسات الاستراتيجية والآن بتشكيل مجلس حكماء ولكن للأسف لم يستجب المتخاصمون لدعواتنا».
وأضاف: «عليه لم يَتَبَقَّ سوى احترام توقيتات الدستور الذي اختط بأيديهم على الرغم من تحفظاتنا على العديد من فقراته، وذلك من خلال عقد جلسة لمجلس النواب في أي مكانٍ في العراق بحضور رئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية لاختيار أو تثبيت رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تمهد لإجراء انتخاباتٍ مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة».
ورأى علاوي، أنه «بخلاف ذلك ستزداد الأوضاع سوءا وتتدهور إلى ما لا يحمد عقباه، ولا أمتلك غير التنبيه والتحذير من تداعيات وخطورة المرحلة التي يمر بها بلدنا الحبيب وشعبنا العزيز الذي عانى الويلات وحُرمَ من أبسط مقومات العيش الكريم».
القدس العربي