يترقب العراقيون ما ستؤول إليه الأحداث بعد أن كشفت جميع الأطراف عن أوراقها السياسية، وتزامنا مع التصعيد المتبادل بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، اقترح رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي عقد جلسة في أي مكان من العراق لاختيار رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تمهد لانتخابات مبكرة، وإنهاء حالة الفوضى السياسية.
وقال علاوي في بيان صحافي إنه لا بد من “عقد جلسة للبرلمان في أي مكان من العراق بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية العليا لاختيار أو تثبيت رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تمهد لإجراء انتخابات مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة”.
وحذر السياسي العراقي المخضرم من أنه “بخلاف ذلك ستزداد الأوضاع سوءا وتتدهور إلى ما لا يحمد عقباه”.
لكن صحيفة عراقية رسمية حذرت من عواقب غير محمودة في حال تقرر نقل جلسات البرلمان العراقي خارج بغداد لانتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة على خلفية سيطرة أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على مبنى البرلمان للأسبوع الثالث على التوالي.
إياد علاوي: الأوضاع ستسوء ما لم تنعقد جلسة برلمانية لإنهاء الفوضى
وقالت الصحيفة إن “الأمر من الناحية اللوجستية والفنية والقانونية مسموح إلا أن عواقبه السياسية لا تبدو محمودة في ضوء التظاهرات المتقابلة والخطاب التصعيدي بين الأطراف التي تدفع باتجاهين متعارضين، إذ يطالب زعيم التيار الصدري بحل البرلمان العراقي أولا قبل انتخابات مبكرة أخرى، فيما يشد الإطار التنسيقي الحبل إلى الجهة المعاكسة بتثبيت حقه في قيادة الحكومة الجديدة”.
ودخلت اعتصامات التيار الصدري داخل مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء الحكومية وخارجها وسط بغداد أسبوعها الثالث بالتمسك بمطالبها بحل البرلمان العراقي وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وعدم المساومة على ذلك الأمر الذي يرفضه الإطار التنسيقي الشيعي ويدعو إلى الالتزام بالأطر الدستورية وتشكيل حكومة جديدة قبل الخوض في موضوع إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وكان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قد دعا في العاشر من الشهر الجاري رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق القاضي فائق زيدان إلى حل البرلمان العراقي.
في المقابل، باشر الخصوم السياسيون لمقتدى الصدر في الإطار التنسيقي الجمعة اعتصاماً مفتوحاً على أسوار المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد.
ويضمّ الإطار التنسيقي خصوصاً الكتلة البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وكان الإطار قد قبل بدايةً بحلّ البرلمان والانتخابات المبكرة وفق شروط.
وبدأت الأزمة الحالية إثر رفض التيار الصدري نهاية يوليو الماضي مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء.
ويعيش العراق منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021 في شلل سياسي تام مع العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، على خلفية خلافات سياسية متواصلة.
وأدى الجمود السياسي الذي وضع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مواجهة منافسيه من الشيعة، ومعظمهم من الجماعات المتحالفة مع إيران، إلى إبقاء البلاد من دون حكومة لما يقرب من عشرة أشهر، بينما يتنافس الجانبان على السلطة.
ويرفع الصدر شعار محاربة الفساد لتبرير اعتراضه على تولي الإطار التنسيقي دفة العملية السياسية بعد انسحابه منها في يونيو، لكن مراقبين ونشطاء عراقيين يرون أن نوازع السيطرة والهيمنة خلف تصعيد الصدر، وأنه ليس بأفضل من خصومه السياسيين.
وفي حين يقول الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة دولة القانون وكتلةً ممثلة للحشد الشعبي إنه منفتح على حل البرلمان شرط انعقاده ومناقشة النواب وتصويتهم على ذلك، طالب مقتدى الصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق القاضي فائق زيدان بالتدخل وحل المجلس في مهلة أقصاها نهاية الأسبوع المقبل.
ويتعين على مجلس القضاء الأعلى في العراق أن يدلي بدلوه قدر تعلق الأمر بقانونية ودستورية مطالب الزعيم الشيعي بحل البرلمان.
وسبق لرئيس مجلس القضاء الأعلى أن نفى في مقابلة تلفزيونية إمكانية تدخل القضاء في حل مجلس النواب، لكنه تحدث عن جزاء مفروض لمن يخرق المدد الدستورية.
وينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ “بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”.
في الأثناء تداولت أوساط مقربة من الصدر حديثا عن إمكانية اللجوء إلى محكمة البداءة لحل البرلمان، في محاولة لتأكيد دستورية أن يحل القضاء مجلس النواب. لكن خبراء القانون العراقي ينفون إمكانية حدوث ذلك مؤكدين أن حل مجلس النواب هو من اختصاص المحكمة الدستورية وليس بمحكمة البداءة المختصة بما يسمى الدعاوى القاصرة.
ويقول الخبراء إنه يمكن اللجوء إلى محكمة البداءة للطعن بشرعية مجلس النواب لكونه قد خرق الدستور والمدد الدستورية ولم يحترمها فكيف يتم مطالبته بحل نفسه وفقًا للدستور، فالمادة 94 من الدستور تتيح إمكانية الطعن بشرعية المجلس. وهو ما سبق أن ذكره رئيس مجلس القضاء الأعلى حيث أكد إمكانية اللجوء إلى طلب مشترك من رئيسي الحكومة والجمهورية وتحت رقابة السلطة القضائية لحل البرلمان، كحل وحيد يمكن تنفيذه.
وترجح الأوساط العراقية أن ترد المحكمة الاتحادية أي دعوى قضائية تطالب بحل المجلس لكونه ليس من اختصاصها وفقًا للدستور.
في المقابل، لا يتراجع التيار الصدري عن حشد أنصاره لإقامة المزيد من الدعاوى القضائية التي تُطالب بحل مجلس النواب.
وفي نموذج الدعوى القضائية التي طرحها التيار الصدري، ذُكرت المادة 5 من الدستور والتي تشير إلى “السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها”، في تأكيد منه على “عدم منح أي حصانة لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة تجاه الدستور”، وإثبات أن “مجلس النواب تعمد انتهاك الدستور وخالف بنوده”.
ولا يبدو أن مقترح عقد جلسة برلمانية خارج مقر البرلمان سينال رضاء مقتدى الصدر وأنصاره، ولا الإطار التنسيقي، بل قد يقود الأمر البلاد نحو المزيد من التصعيد.
ويقول محللون إن اتجاه الصدر إلى العصيان المدني كخطوة تصعيدية يرتبط بمدى استجابة الإطار التنسيقي لمبادرته.
صحيفة العرب