عدوى التطرف تنتقل إلى الهند وباكستان بعد سيطرة طالبان على أفغانستان

عدوى التطرف تنتقل إلى الهند وباكستان بعد سيطرة طالبان على أفغانستان

واشنطن – لا يزال العالم يترقب كيف ستبدو أفغانستان بعد مرور عام على استيلاء حركة طالبان على الحكم، وانعكاسات ذلك على جيرانها لاسيما باكستان والهند.

ويقول الدكتور ستوتي بهاتناجار، وهو باحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدفاعية بالجامعة الوطنية الأسترالية، والدكتور زاهد شهاب أحمد، وهو باحث في جامعة ديكين في أستراليا، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن “استيلاء طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021 كان بمثابة مفاجأة للكثيرين. وأثار القلق على الصعيد الإقليمي، بشأن دور باكستان في أفغانستان واستمرار علاقتها مع طالبان. وكان استخدام باكستان لأفغانستان كوكيل للحفاظ على نفوذها ذا أهمية خاصة للهند، التي عملت عن كثب مع الحكومات السابقة في أفغانستان من عام 2002 حتى عام 2021 وأغلقت بعثاتها الدبلوماسية بعد استيلاء طالبان على السلطة. والآن بعد أن أكملت طالبان عامها الأول من الحكم، من المهم استكشاف كيفية تعامل الهند وباكستان مع إمارة أفغانستان الإسلامية في ظل حكم طالبان”.

ويقول الباحثان إنه عندما حكمت طالبان إمارة أفغانستان الإسلامية لأول مرة خلال الفترة من عام 1996 إلى 2001، كانت باكستان من بين الدول الثلاث الوحيدة التي اعترفت رسميا بالحكومة. وليس من المستغرب إذن أن تظل مهمة بسبب تأثيرها على طالبان. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة وسقوط نظام طالبان في عام 2001، وقفت باكستان إلى جانب الولايات المتحدة في “الحرب على الإرهاب”، من خلال العمليات العسكرية ضد قادة طالبان في باكستان.

إسلام أباد تنظر إلى حركة طالبان على أنها نظام صديق إلا أن العلاقة لم تكن خالية من المتاعب بين الطرفين

ورغم ذلك استؤنفت العلاقة بسرعة بالتعاون النشط بين إسلام أباد وطالبان. وأصبحت باكستان حليفا رئيسيا في استعادة طالبان سياسيا من خلال دعم عمليات السلام التي تقودها الولايات المتحدة والصين وروسيا، واستضافة قادة طالبان وتسهيل العديد من حوارات السلام التي تشمل أصحاب المصلحة من أفغانستان وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.

ويرى الباحثان أنه على الرغم من قربها وتاريخ تعاونها مع طالبان، كانت الفترة منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021 تمثل إشكالية بالنسبة إلى باكستان. وعلى الرغم من أن إسلام أباد تنظر إلى طالبان إلى حد كبير على أنها نظام صديق، إلا أن العلاقة لم تكن خالية من المتاعب بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك الإرهاب. وقبل الحديث عن معضلة الإرهاب في باكستان، من المهم أن نذكر أن طالبان تخدم أيضا المصالح الوطنية لأفغانستان وأن هناك عناصر معادية لباكستان داخل حركة طالبان.

ولا تزال طالبان تواصل معارضتها للاعتراف بخط دوراند كحدود دائمة بين أفغانستان وباكستان، وقاومت جهود الجيش الباكستاني لإقامة سياج على طول الحدود. وانعكس ذلك في عدة مناسبات، على سبيل المثال شارك مسؤول من طالبان في إنزال العلم الباكستاني من شاحنة تحمل مساعدات إنسانية من باكستان في عام 2021، وبعد إنزال العلم قال صراحة إنه “سيحرقه”.

وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها باكستان ضد الإرهاب في العقد الماضي أو نحو ذلك، فإنها تواجه مشكلة إرهاب متزايدة منذ استيلاء طالبان على السلطة. وينعكس هذا من خلال عدد متزايد من الهجمات الإرهابية داخل باكستان ليس فقط من قبل “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” ولكن أيضا من قبل جماعة إرهابية بارزة مناهضة لباكستان، وهي حركة “طالبان باكستان”.

طالبان تخدم المصالح الوطنية لأفغانستان، وهناك عناصر معادية لباكستان داخل حركة طالبان

كما أشارت تقارير إلى أن هناك أكثر من ستة آلاف إرهابي مناهض لباكستان في أفغانستان، وخاصة من حركة طالبان الباكستانية، فليس من المستغرب إذن أن تعمل باكستان عن كثب مع حركة طالبان الأفغانية لمعالجة مشكلة حركة طالبان الباكستانية. وفي هذا الصدد، توسطت شبكة حقاني التابعة لطالبان في حوار بين إسلام أباد وحركة طالبان الباكستانية. وقد أدت هذه المفاوضات إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قد لا يستمر بعد مقتل زعيم بارز في حركة طالبان الباكستانية، عمر خالد خراساني، مؤخرا في أفغانستان.

ومنذ عام 2001، استثمرت الهند بدورها، ما يقرب من 3 مليارات دولار في المساعدات التنموية لأفغانستان وشاركت في العديد من مشاريع البنية التحتية. ومع ذلك، انتهى الوجود الدبلوماسي الهندي الذي امتد إلى ما وراء كابول ودعمها للتحالف الشمالي المناهض لطالبان بوصول طالبان في أغسطس 2021، وظلت الهند غائبة بشكل واضح عن المفاوضات السياسية في أفغانستان واتفاق الدوحة في فبراير 2020 الذي أعاد طالبان فعليا إلى السلطة في أفغانستان.

ويساور الهند قلق خاص إزاء الهجمات التي تشنها جماعة حقاني، وهي فصيل رئيسي من فصائل طالبان، على الأصول الهندية في أفغانستان، بالإضافة إلى الإرهاب على الأراضي الهندية من خلال ملاذات آمنة في أفغانستان. وفي معرض توضيحه للمخاوف الهندية، قال رئيس أركان الجيش الهندي، الجنرال مانوج موكوند نارافان “ما يمكننا قوله وتعلمه من الماضي هو أنه عندما كان نظام طالبان السابق في السلطة، في ذلك الوقت، بالتأكيد كان لدينا إرهابيون أجانب من أفغانستان”.

وعلى الرغم من عدم اعترافها رسميا بحكومة طالبان، فقد حاولت الهند فتح قناة خلفية لطالبان قبل استيلاء الحركة على السلطة في عام 2021. وفي الآونة الأخيرة، في مايو 2022، أشار مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال إلى تحول في تصور الهند لطالبان كجماعة إرهابية إلى كيان شبه رسمي عندما قال إنه يجب على دول المنطقة “تعزيز قدرة أفغانستان على مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدا للسلام والأمن الإقليميين”.

وتواصل الهند، من جانبها، التأكيد على دور باكستان في الإرهاب في المنطقة، وتشعر بالقلق إزاء التعاون بين طالبان وباكستان. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوجود المتزايد للصين في أفغانستان يثير قلق الهند. ومنذ عام 2014، تعهدت بكين بتقديم مساعدات اقتصادية لأفغانستان وشاركت في الاجتماعات الثلاثية (الولايات المتحدة والصين وأفغانستان) والرباعية (الولايات المتحدة والصين وباكستان وأفغانستان) حول أفغانستان. وتشعر الهند بالقلق أيضا إزاء “الفراغ الأمني” الناجم عن الانسحاب الأميركي الذي أدى إلى صعود تنظيم “داعش خراسان”، وهو فرع معلن ذاتيا من تنظيم داعش ويعمل في جنوب آسيا وآسيا الوسطى.

ويرى مراقبون أن المصالح الجيوسياسية المشتركة وحاجة أفغانستان إلى الدعم الاقتصادي والإنساني الإقليمي يوفران فرصة للتعاون بين الهند وباكستان. وفي الوقت الحالي، تتخذ كل من الهند وباكستان خطوات صغيرة في التعامل مع طالبان “الجديدة”. وبصرف النظر عن الشواغل الصارخة المتعلقة بحقوق الإنسان في أفغانستان اليوم، فإن طالبان تتحرك أيضا بحذر. ومع ذلك، وكما كان الحال مع الديناميات السياسية في المنطقة من قبل، يمكن أن تتقدم الأمور أو تتراجع بطرق مفاجئة، مما يستدعي النظر عن كثب إلى التطورات في أفغانستان.

العرب