نشرت مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية (راند) مؤخرا دراسة في نحو 120 صفحة بعنوان “عودة حرب القوى الكبرى”، أعدها عدد من الباحثين، على رأسهم الدكتور تيموثي هيث، كبير الباحثين في مجال الدفاع والشؤون الدولية، وكريستين جونيس، وهي إحدى كبار الباحثين في مجال السياسات بالمؤسسة.
ويتصور الباحثون من خلال تحليل دقيق للبيانات الحالية والتاريخية للعوامل ذات الصلة، والاتجاهات المتوقعة، والتكهنات المبنية على أساس الأبحاث، عدة سيناريوهات لصراع منهجي بين الولايات المتحدة والصين في ظل ظروف افتراضية اقتربت فيها الصين من الوصول إلى نقطة الأولوية العالمية.
واعتمادا على النتائج الأكاديمية ونتائج الأبحاث المتعلقة بالمسار المحتمل للأمن الدولي والحرب في السنوات المقبلة، وموقف الصين بالنسبة للحرب المستقبلية، وتجارب القوى الكبرى السابقة ذات الصلة، والأنماط التاريخية للحروب بين الدول، يحاول معدو الدراسة استكشاف إمكانية اندلاع حرب تتعلق بتحول القوة بين الولايات المتحدة والصين.
وتوصل معدو الدراسة إلى سيناريوهين لحرب منهجية بين الولايات المتحدة والصين: يتصور الأول صراعا منخفض الشدة يتكشف في أنحاء كثيرة من العالم، عبر الكثير من المجالات، وعلى مدار سنوات كثيرة. أما السيناريو الثاني، فإنه يتصور حربا عالية الشدة تنجم عن الحرب منخفضة الشدة، ووقوع أعمال عدوانية من جانب الدولتين لتدمير قدرة الخصم على خوض القتال، وهي تحمل في طياتها خطر تصعيد مرتفع للغاية إلى المستويات الأكثر تدميرا.
ويحدث السيناريوهان في نطاق سياق موقف دولي متفكك بشكل عميق، يعاني فيه الجيشان الأمريكي والصيني من ضغط شديد نتيجة مواصلة المجهود الحربي، بينما يتعاملان مع مجموعة من التهديدات غير التقليدية ويستجيبان لمطالب للحصول على الدعم من جانب شركاء في حالة معاناة.
وعلى الرغم من أن تحليل معدي الدراسة يتعلق بموقف صراع افتراضي تقترب فيه الصين من بلوغ الأولوية العالمية، من الممكن أن تفيد النتائج التي توصلوا إليها في التخطيط الدفاعي للحالات الطارئة المحتملة حتى في الوقت الحالي.
ومن أبرز النتائج التي توصل إليها الباحثون هو أنه من المحتمل أن يمتد أي صراع منهجي بين الولايات المتحدة والصين في أنحاء العالم، ولكل المجالات، بما في ذلك الفضاء السيبراني والفضاء الخارجي. وسوف يتخذ مثل هذا الصراع شكلا منهجيا، وربما يستمر سنوات. ولن ينتهي الصراع إلا إذا تخلى أحد الطرفين عن القتال واعترف بخضوعه للطرف الآخر.
كما يمكن أن يجد الجيشان الأمريكي والصيني نفسيهما تحت وطأة ضغط كبير للغاية في أي صراع منهجي بسبب المطالب المتنافسة لمواصلة المجهود الحربي، والتعامل مع مجموعة من التهديدات الحادة العابرة للحدود، ومساعدة الشركاء على مواجهة تحدياتهم الأمنية.
كما توصل الباحثون إلى أن أي حرب منخفضة الشدة يمكن أن تشمل قتالا واسع النطاق يتم أساسا من خلال دول شريكة وجماعات غير تابعة لدول.
وسيظل خطر التصعيد مرتفعا حيث إن أيا من الطرفين قد يمل الطابع غير الحاسم لمثل هذا القتال ويسعى إلى أعمال أكثر ضراوة لوضع نهاية للحرب.
ويرى الباحثون أن جيش التحرير الشعبي الصيني قد يحبذ، لمقاتلة القوات الأمريكية في حرب منخفضة الشدة، العمليات التي تعتمد على أسلحة أقل تكلفة وأقل مخاطرة، ووسائل مثل الهجوم الدقيق طويل المدى، والعمليات السيبرانية، ودعم القوات غير النظامية.
وتوصل الباحثون إلى أنه رغم أن مثل هذه الحرب قد تبدأ بأهداف حربية أقل تواضعا في تصورهم، سوف يكون من الصعب مقاومة إغراء التصعيد، بسبب الدافع الكامن وهو الهيمنة على الطرف الآخر. وقد يشمل القتال هجمات صاروخية واسعة النطاق في كل منطقة المحيط الهندي والهادئ بهدف تحطيم القوة العسكرية الأمريكية.
وقدم الباحثون في نهاية دراستهم مجموعة من التوصيات شملت ضرورة أن يأخذ المخططون الأمريكيون في الاعتبار مجموعة أوسع نطاقا من الاحتمالات الطارئة لحرب منخفضة، أو مرتفعة الشدة مع الصين، يمكن أن تنطوي على خيارات قتالية تتجاوز نقاطا ساخنة مثل تايوان.
(د ب أ)