واشنطن تُحذر أنقرة وخشية من “أزمة سياسية”.. هل تساعد تركيا روسيا بالفعل على تخطي العقوبات الغربية؟

واشنطن تُحذر أنقرة وخشية من “أزمة سياسية”.. هل تساعد تركيا روسيا بالفعل على تخطي العقوبات الغربية؟

عقب مرور قرابة 6 أشهر على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتراجع حدة الموقف الغربي من العقوبات الضخمة التي فرضت على موسكو، إلا أن واشنطن جددت تحذيرها لتركيا من مغبة مساعدة روسيا في مساعيها لتخطي العقوبات الغربية، وهو اتهام قديم لأنقرة التي لديها مواقف متضاربة من تطبيق العقوبات الغربية، وسط خشية من صدام جديد بين أنقرة وواشنطن قد يتطور لأزمة يتخللها عقوبات يمكن أن تشمل كيانات وأفراد في تركيا بتهمة التحايل على العقوبات المفروضة على كيانات وأفراد في روسيا.

والسبت، قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن والي أدييمو نائب وزيرة الخزانة أبلغ يونس إليطاش نائب وزير المالية التركي بأن كيانات وأفرادا من روسيا يحاولون استخدام تركيا في تخطي العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب الحرب التي تشنها على أوكرانيا.

وأضافت الوزارة في بيان أن المسؤولين ناقشا أيضا في اتصال هاتفي الجهود الجارية لتطبيق وإنفاذ العقوبات المفروضة على روسيا.

في المقابل قالت وزارة المالية التركية، في بيانها عن المكالمة، إن إليطاش شدد على عمق العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تربط تركيا بكل من روسيا وأوكرانيا، لكنه أكد أيضا لأدييمو أن أنقرة “لن تسمح بأي انتهاك للعقوبات”، وذكرت الوزارة أن “إليطاش أكد أن موقف تركيا لم يتغير فيما يتعلق بالإجراءات والعقوبات الحالية، لكنها لن تسمح بانتهاك العقوبات من جانب أي مؤسسة أو شخص”.

وتشير العبارات التي استخدمها بيان وزارة المالية التركية إلى حجم الغموض في الموقف التركي من العقوبات والذي يتأرجح بين التأكيد على أن تركيا ليست جزءاً من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وفي نفس الوقت التأكيد على أنها “لن تسمح بانتهاك” هذه العقوبات.

وفي التفسير الظاهري للموقف التركي، فإن أنقرة تقول إنها ليست جزءاً من العقوبات التي فرضت طوال الأشهر الماضية بمعنى أنها لن تشارك بشكل مباشر بفرض عقوبات خاصة بها ضد روسيا، ولكنها في نفس الوقت تلتزم بعدم التعامل مع الأفراد والكيانات التي فرضت عليها عقوبات من قبل الدول الغربية، إلا أن هذا الموقف الظاهري لا يتوافق كثيراً مع الإجراءات التي اتخذتها تركيا طوال الأشهر الماضية في تعاملاتها التجارية مع روسيا.

وتتهم أطراف غربية مختلفة أنقرة بأنها باتت محطة لمساعدة أفراد وكيانات روس في التحايل وتخطي العقوبات الغربية وذلك بطرق مختلفة، وهو ما بدأ بحثه رسمياً بين أطراف أنقرة وعواصم غربية مختلفة والتي كان أبرزها وأحدثها واشنطن التي وجهت تحذيراً رسمياً لتركيا كي لا تسمح لروسيا باستخدامها كمحطة للتحايل على العقوبات، الأمر الذي ينذر بأزمة محتملة بين أنقرة وواشنطن حول هذا الملف.

وفي أكثر من مناسبة، جددت تركيا عبر أعلى مستوياتها السياسية رفضها المشاركة في العقوبات الغربية على روسيا مؤكدة أن أبوابها مفتوحة أمام المواطنين ورجال الأعمال الروس وحتى المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين “الأوليغارش” الذين تركزت عليهم العقوبات الغربية، بالتزامن مع تأكيد مسؤولين أتراك على “صوابية” موقف أنقرة بالحفاظ على قنوات الاتصال السياسي مع روسيا في محاولة للتوصل إلى حل سياسي للحرب في أوكرانيا وللأزمات الاقتصادية والإنسانية التي رافقتها وهو تمثلاً عملياً حتى الآن في اتفاق الحبوب الذي تقول أنقرة إنه أنقذ العالم من “خطر المجاعة”.

أعداد كبيرة من الروس حصلوا على الجنسية التركية مؤخراً من خلال العقارات

وفي تصريح سابق أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضه الانضمام للعقوبات الغربية ضد روسيا، وقال: “العديد من الشركات الأمريكية والعالمية تغادر روسيا وأبوابنا مفتوحة لكافة القادمين إلى بلادنا”، كما تحدث سابقاً وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو عن أنه بإمكان المتمولين الروس الاستمرار في القدوم وممارسة نشاطهم التجاري في تركيا “طالما أنهم يحترمون القانون التركي والدولي”.

وتقول تركيا إنها تطبق العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة فقط، وهي نفس السياسة المعلنة التي اتبعتها فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية والغربية على إيران، إلا أنها وخشية الدخول في صدام مع الإدارة الأمريكية كانت ترفض الاتهامات بأنها تساعد هذه الدول بتخطي العقوبات، وهو ما يظهر حجم التعقيد في الموقف التركي من هذه الملفات.

وسابقاً تطور الخلافات التركية الأمريكية حول ملف العقوبات إلى أزمة كبيرة بين البلدين، بعدما فتح القضاء الأمريكي تحقيقاً ضد بنك وشخصيات تركية بتهمة مساعدة إيران في التحايل على العقوبات الأمريكية، وجرت محاكمة لشخصيات تركية في أمريكا وسط أزمة لم تنتهي بعد بين البلدين، وهو ما يزيد الخشية من أن تتطور لاحقاً الخلافات الحالية حول العقوبات على روسيا إلى أزمة سياسية أكبر.

وحتى الآن لم تقوم تركيا بأي إجراء يتعلق بمصادرة طائرات خاصة ويخوت وفلل سكنية أو تجميد أرصدة بنكية لرجال أعمال روس مقربين من بوتين، وفسرت التصريحات التركية الجديدة على أنها تتجاوز فكرة التأكيد على رفض المشاركة بالعقوبات حيث حملت في طياتها تطمينات لحث رجال الأعمال الروس على اختيار تركيا كمقر جديد لأعمالهم من أجل تحفيز الاقتصاد التركي.

وعلى الرغم من أنه لا يعرف بشكل واضح ما إن كان ذلك يعتبر تجاوزاً للعقوبات الغربية أم لا، إلا أن تركيا بدأت بالفعل تتحول إلى ملاذ لمواطنين ورؤوس أموال رجال أعمال روس، حيث لجأت العديد من الشركات الروسية لنقل انتاجها إلى روسيا أو استخدام تركيا كقاعدة لصادراتها أو شراء العقارات والحصول على الجنسية التركية لممارسة النشاط التجاري والمالي بأسماء جديدة أتاحتها لهم الجنسية التركية حيث تصدر الروس طوال الأشهر الماضية قائمة مشتري العقارات في تركيا.

وتتسلح تركيا بدرجة أساسية في الرد على الاتهامات الغربية، بأن علاقاتها مع روسيا حيوية لـ”خدمة العالم” من أزمات إنسانية وسياسية وعسكرية كبيرة، حيث تبرز دورها في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وإنجاز اتفاقية الحبوب وتصدير الأسمدة لمنع “خطر المجاعة” والسعي الحالي لوقف الاشتباكات في محيط محطة زابوريجيا لمنع كارثة نووية والسعي للتوصل إلى اتفاق سياسي يوقف الحرب الدائرة هناك.

القدس العربي