مثلما في سباق الماراثون، المليء بالارتفاعات والانخفاضات، تندفع الأسرة الدولية بقيادة الولايات المتحدة نحو التوقيع على اتفاق نووي جديد مع إيران.
ثمة من يحرص، في أوساط طرفي المفاوضات، على خلق ستار سميك من الدخان لأجل “تشويش العدو”. لشدة الأسف، العدو في موضوعنا ليس طهران، بل معارضو الاتفاق معها، وعلى رأسهم إسرائيل.
ولكن نهاية ضباب المعركة لا بد أن يتبدد ويتضح في الأيام الأخيرة بأنه رغم تقارير تتحدث عن تصليب المواقف لدرجة المأزق في المحادثات مع إيران، فإن الطرفين عملياً يتقدمان نحو الحسم.
لم تخف إدارة الرئيس بايدن من اللحظة الأولى بأنها مصممة على تحقيق الاتفاق بأي ثمن، بحيث يتاح للولايات المتحدة إغلاق الملف الإيراني” بل وقطع نفسها عن مشاكل الشرق الأوسط، التي تعد إيران المركزية فيها.
الإيرانيون معنيون باتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم، غير أنه ينبغي الاعتراف بسعيهم إلى الاتفاق بحماية وتصميم أقل مما يبديه الأمريكيون، ومن هنا يأتي الثمن العالي الذي يطالبون به، والذي يبدو أن الأمريكيين مستعدون لدفعه.
في إيران وأساساً في أوساط المعسكر المحافظ والراديكالي من يرون نعمة في العزلة عن العالم وفي أجواء الانغلاق والحصار التي يفرضها عليهم الغرب، إذ إنه ليس هناك مثيل لإحساس “العالم كله ضدنا” لضمان بقاء نظام آية الله وتأييد السكان له. وفي كل حال، فقد كرر الغرب أخطاء الماضي تجاه طالبان، وعراق صدام حسين، أو روسيا، حين يفترض أن بوسع العقوبات الاقتصادية إسقاط نظام ما أو إحداث تغيير في مواقفه. من هنا مفهوم جر الأرجل من جانب الإيرانيين والذي هو ليس فقط تكتيك مساومة، بل تعبير عن معضلة الزعيم الأعلى ورجاله فيما إذا كانت إيران تحتاج حقاً إلى الاتفاق.
لكن ليس لخامنئي سبب حقيقي للاعتراض على الصفقة المحسنة التي طرحت على طاولته. فبعد كل شيء، ليس فيها تقييد لقدرة إيران على محاولة الدفع بنفوذها في المناطق، والتآمر على الأنظمة العربية وتشجيع أعمال الإرهاب ضد إسرائيل. ليس فيه أيضاً حظر على تطوير وسائل قتالية متطورة مثل الصواريخ المخصصة لحمل رؤوس متفجرة نووية لاحقاً، والأهم من كل ذلك – إيران ليست مطالبة بالتخلي عن منشآت وعتاد ومواد بنتها. إذن، لماذا نحتاج إلى اتفاق في واقع الأمر؟
لا خلاف في أن الإيرانيين تقدموا نحو النووي بشكل ذي مغزى في أثناء السنوات الأخيرة. وذلك فيما أن المحاولات للوقوف في وجهها أبطأت تقدمها وكسبت زمناً غالياً، يسمح باستعداد أفضل في المستقبل للوقوف في وجه إيران نووية. واضح أيضاً أن الإيرانيين سيحتاجون إلى زمن إضافي لإنتاج قنبلة حية وتتنفس، بل وأكثر لأجل إنتاج قدرة على إطلاقها بصواريخ أو إلقائها من طائرة قتالية. لكن الحديث يدور عن مسيرة لا مرد لها، وفي كل حال يكفي إعلان إيراني عن تحقيق قدرة نووية حتى بدون “وصولات” مثل تجربة نووية لأجل إثارة جلبة سماوية في المنطقة.
في إطار الاتفاق المقترح، المطلوب من إيران الجلوس بهدوء وألا “تروي في العموم بصوت عال” بأن لديها قدرة نووية. الموضوع لا يقدم ولا يؤخر من ناحية الإيرانيين، فالاتفاق يسمح لهم بالإبقاء على كل ما حققوه حتى الآن.
غير أن تجربة الماضي تفيد بأنه لا يمكن وقف قوة راديكالية وعدوانية مثل إيران فقط بالابتسامات وبالامتيازات والاتفاقات التي وإن كانت تعطي هدوءاً لزمن ما، لكنها لا تؤدي إلى تغيير في الاتجاه وفي الطريق. فبعد كل شيء، تسعى قوى الظلام دوماً لتحقيق القوة وإظهارها، وفي موضوعنا القدرة النووية، إذ إن المنطق الذي يوجهها هو أنه بالقوة فقط تضمن بقاءها ومستقبلها. القنبلة الإيرانية لم تُحِد إذن، وحتى إذا ما تباطأت دقات ساعة التوقف، فالانفجار آت لا