صعّد أتباع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أمس الثلاثاء، احتجاجاتهم المستمرة منذ الشهر الماضي في المنطقة الخضراء، وسط العاصمة الاتحادية بغداد، حيث اعتصموا أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، قبل أن ينسحبوا، بناء على طلب من “وزير الصدر”. القضاء الذي رد على التصعيد الصدري، بتعليق عمله، عاد وأعلن استئناف نشاطه، اليوم الأربعاء، بعد انسحاب المتظاهرين و”فك الحصار” عن مبناه.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، بدأ أتباع الصدر بنصب خيام الاعتصام أمام مبنى السلطة القضائية، معلنين قائمة مطالبهم التي تضمنت “حل البرلمان الحالي، وتحديد موعد للانتخابات المبكرة، وعدم تسييس القضاء مطلقاً، ومحاربة الفساد والمفسدين، وفصل الادعاء العام عن مجلس القضاء”.
وجاء في جمّلة المطالب أيضاً التي كتبها المحتجون على يافطات رفعوها أمام المبنى، “تحديد الكتلة الأكبر، وفصل الادعاء العام عن مجلس القضاء”.
عضو اللجنة التنظيمية لثورة عاشوراء، ومدير مكتب الصدر في العاصمة بغداد، إبراهيم الجابري، قال إن “مطلب استقالة فائق زيدان أصبح من ضمن مطالب المعتصمين”.
«مخالفة للقانون»
وعقب التصعيد الصدري، قرار مجلس القضاء الأعلى، تعليق عمله واصفا الاحتجاجات أمام مبناه، بـ”غير الدستورية ومخالفة للقانون”.
وذكر في بيان صحافي، أن “مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا اجتمعا حضوريا وإلكترونيا صباح اليوم (أمس) على إثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري أمام مجلس القضاء الأعلى للمطالبة بحل مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لإصدار قرار بالأمر الولائي لحل مجلس النواب وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة”.
وبيّن أن “المجتمعين قرروا تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا احتجاجا على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون، وتحميل الحكومة والجهة السياسية التي تقف خلف هذا الاعتصام المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف”.
وردا على قرار المجلس، لوّح الصدر بـ”رفع يده” عن الاحتجاجات وتركها “لعفويتها” بعيداً عن عمل لجنته المشرفة عليها.
وقال صالح محمد العراقي، أو ما يعرف بـ”وزير القائد”، في “تدوينة” له، إنه “ما إن تشتدّ حدّة الاحتجاجات ضدّ الفاسدين. فإنهم يسارعون مستنجدين بسماحته (في إشارة إلى الصدر)، لكن سماحته (أعزه الله) ومنذ يومين قرر عدم التدخل مطلقاً”.
وأشار إلى أنه”لاستمرار (ثورة عاشوراء) على عفويتها، فإن سماحته قد يأمر مستقبلاً بتعليق عمل اللجنة المشرفة على الاحتجاجات (جزاهم الله خير جزاء المحسنين) مقابل تعليق القضاء والمحاكم عملها”، موضحاً “وإلا فإنه من المعيب أن يعلّق القضاء والمحاكم العمل من أجل إنهاء ثورة إصلاحية ولا تعلّق أعمالها من أجل استنكار فساد مستشري إذا لم تستطع محاكمة الفاسدين من جميع الأطراف”.
وختم تدوينته بالقول: “القرار قرار الشعب. فإلى ذلك نسترعي انتباهكم”.
جريمة «تهديد القضاء»
لكن، مجلس القضاء لم يكتف بتعليق عمله بل قال في بيان مُقتضب، إن “محكمة تحقيق الكرخ الأولى باشرت بإجراءات جمع الأدلة عن جريمة تهديد المحكمة الاتحادية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق الفاعلين”.
كما ذكر في سلسلة بيانات مُقتضبة، إن “محكمة تحقيق الكرخ تصدر مذكرة قبض بحق المدعو محمد الساعدي عن جريمة تهديد القضاء”.
كذلك، أصدرت “مذكرة قبض بحق المدعو صباح الساعدي عن جريمة تهديد القضاء”.
وكان صباح الساعدي قر نشر “تدوينة” جاء فيها: “لم تكن (المسافة واحدة) يوماً. فالشعب الثائر قياسه (الحق) وأحزاب الفساد قياسها (الباطل) والذي يساوي بينهما (ميزان حكمه) مختل”.
وتعليقاً على القرار القضائي الأخير بحقّه، قال في “تدوينة” له: “أنا أبن العراق وشعبه. أنا البلد ومؤسساته. أنا ابن عاشوراء وثورته”، مبيناً أن “هادي العامري اعترف بتهديد (القضاء) جهاراً نهاراً فأين أنتم عنه؟”.
وأضاف: “نوري المالكي وتسريباته التي هددت السلم المجتمعي واقتحام النجف وقتل الصدر القائد فأين أنتم عنه؟”، منوهاً أن “الفاسدين الذين اعترفوا علناً في الإعلام بأخذ الرشاوى والفساد أين أنتم عنهم؟!”.
ومضى يقول: “جريمة سبايكر والصقلاوية وسقوط الموصل وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين المتسببين بذلك باعوا ثلث العراق لداعش الإرهاب أين انتم عنهم؟”.
وتابع: “القناصة والطرف الثالث الذين قتلوا ثوار تشرين أين انتم عنهم؟ والقائمة تطول”، مضيفاً: “لا أخاف ولا أهاب السجن أو الاعتقال ولم أسكت ولن أسكت عن الفساد والظلم”.
كما أصدرت محكمة تحقيق الكرخ “مذكرة قبض بحق المدعو غايب العميري (نائب سابق وقيادي في التيار الصدري) عن جريمة التحريض على قتل القضاة وتمنع سفره وتطلب من الأجهزة الأمنية سرعة”، حسب بيان القضاء.
وتعليقاً على ذلك، رد العميري مؤكداً أن القضاء اعتمد على “تغريدة مزورة نسبت لي”.
وقال في بيان صحافي : “كنت ولازلت مع القضاء الحق القضاء الذي ينصف الحق ويحقه، لا الذي يقف على مسافة واحدة من الحق المظلوم والباطل الظالم”، معبّراً عن استغرابه من “صدور مذكرة قبض بحقي من محكمة الكرخ على منشور (تغريدة مزورة) ولم تتحرك ضد فساد و إرهاب واستهتار التسريبات سيئة الصيت”.
وأضاف أن “المستغرب أنها صدرت من القاضي الذي طرحت عليه تسريبات السيئ الصيت، والتي لا تزال قيد التحقيق، إلا أنه سارع خلال أقل من ساعة بإصدار حكم القبض بحقي، وعلى منشور مزور ومن حساب وهمي أو اشتغله مصمم (ذيل) يعمل لدى فاسد متأطر بالفتنة تزوير شكلا ومضمونا، لا تمر ولا تعبر على قاضٍ فطن”.
وزاد “أمتلك من الأخلاق والتربية والشجاعة والجرأة للمواجهة ما يجعلني أعبر عما يدور في خلدي أو في تفكيري بكل صراحة ووضوح”، موضحاً أن “في الوقت ذاته، أعبر عن احترامي للقضاء، وأدعو الجبناء إلى التحلي بالشجاعة وعدم التمترس خلف حسابات مزورة وهمية يقبضون عليها دراهم معدودة”.
وتابع: “أؤكد للشعب العراقي المحترم، نفي وعدم علمي وعدم نشر هكذا تغريدة في حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي، وأعاهد الشعب أن هذا لا يثنيني عن الاستمرار في التصدي والمطالبة بإعفاء أو استقالة رئيس مجلس القضاء الحالي وبالطرق القانونية، كون ذلك جزءا من الإصلاح المنشود. مستمرون وسوف نقاضيكم، فالقانون للجميع”.
إجراءات القضاء السريعة، لم تشمل قادة في التيار الصدري فقط، بل طالت قادة عسكريين مسؤولين عن تأمين المنطقة “الخضراء”.
وأعلن “المرصد العراقي لحقوق الإنسان”، اتخاذ محكمة تحقيق الكرخ الأولى إجراءات قانونية بحق قائد الفرقة الخاصة وآمر لواء 56، على خلفية الأحداث أمام مبنى مجلس القضاء.
وقال مدير المرصد “الحقوقي” مصطفى سعدون، في “تدوينة” له، إن “محكمة تحقيق الكرخ الأولى تتخذ إجراءات قانونية بحق الفريق حامد مهدي عبدالعزيز قائد القرقة الخاصة، والعميد عمار عبدالزهري آمر لواء 56، لإخلالهما بواجبات وظيفتهما بالسماح لجهات بمحاصرة مبنى مجلس القضاء”.
7 عناوين
عقب هذا التطورات، نصح العراقي (وزير الصدر)، بالانسحاب من أمام مبنى القضاء وإبقاء الخيم تحت 7 عناوين.
وقال في تدوينة، إن “في السلك القضائي في العراق الكثير من محبّي الإصلاح والمطالبين بمحاسبة الفاسدين، وإن كان هناك فتور في ذلك، فهو لوجود ضغوطات سياسية من فسطاط الفساد ضدّهم”.
وأضاف أن “لو ثنيت لي الوسادة لكنت مع استمرار الاعتصام أمام القضاء الأعلى لنشجعه على الإصلاح ومحاسبة الفاسدين”.
وبين أن “للحفاظ على سمعة الثوّار الأحبة ولعدم تضرر الشعب، أنصح بالانسحاب وإبقاء الخيم تحت عنوان ولافتة (اعتصام شهداء سبايكر)، (أهالي الموصل)، (استرجاع الأموال المنهوبة)، (محاسبة الفاسدين بلا إنحياز)، (إقالة الفاسدين)، (فصل الإدعاء العام) و(قضاء مستقل ونزيه) وغيرها من العناوين التي يريد الشعب تحقيقها”.
وتابع، “ليستمر اعتصامكم أمام البرلمان إن شئتم ذلك فالقرار قرار الشعب، ومنّي النصيحة ولكم القرار في جميع ذلك وما أنا إلا فرد منكم وفيكم وإليكم”.
على الإثر، بدأ المعتصمون بمغادرة الموقع في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، حسب ما ذكرت “فرانس برس”.
ليتبع ذلك، قرار من مجلس القضاء الأعلى، يعلن فيه استئناف العمل اعتبارا من صباح الأربعاء، بعد انسحاب المتظاهرين و”فك الحصار” عن مبنى مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا.
القدس العربي