في انتظار الرد الرسمي للولايات المتّحدة الأميركية على المقترحات الإيرانية بشأن العودة إلى اتفاق فيينا المبرم في 2015، أكدت واشنطن أن طهران قدّمت تنازلات في قضايا أساسية تتعلّق ببرنامجها النووي، لتعزّز بذلك الآمال بإمكانية نجاح المحادثات.
فما هي التنازلات التي قدمتها إيران “بشأن قضايا حاسمة”، وفق مسؤول كبير في الإدارة الأميركية طلب عدم نشر اسمه؟ وما هي العقبات التي ما زالت تؤخر العودة إلى الاتفاق؟
عمليات التفتيش
كشف المسؤول الكبير عن أنّ إيران وافقت على التخلّي عن مطلبها المتعلّق بعرقلة بعض عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة في منشآتها النووية.
ولم يوضح المسؤول ما هي عمليات التفتيش التي قدّمت إيران تنازلات بشأنها، علماً بأنّ هذه المسألة تعتبر بالغة الحساسية بالنسبة إلى طهران وواشنطن على حدّ سواء.
وأكد المسؤول أنّ كلّ ما قيل عن تنازلات أميركية جديدة هو “كاذب قطعاً”.
وقال إنه “بالإضافة إلى القيود النووية التي سيتعيّن على إيران الالتزام بها، ستكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة من جديد على تنفيذ نظام التفتيش الأكثر شمولاً الذي تمّ التفاوض بشأنه حتى الآن، ما يسمح لها باكتشاف أيّ جهد إيراني لامتلاك سلاح نووي في السرّ”.
وأضاف أنّ “كثيراً من عمليات المراقبة الدولية ستبقى قائمة لفترة غير محدودة” إذا ما أُبرم الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه حالياً.
وتطالب إيران بأن توقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقيقات التي باشرتها بشأن مواقع لم تصرّح عنها طهران وعثر فيها مفتّشو الوكالة على آثار يورانيوم مخصّب.
وبالنسبة إلى هنري روم، المحلّل في مركز أبحاث “أوراسيا غروب”، فإنّ إيران ليست في وارد “التراجع” في هذه المسألة.
وقال “لا أحد سيتفاجأ إذا ما عادت هذ المسألة للظهور في مرحلة لاحقة من هذه المفاوضات”.
إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب
وسبق لإيران أن تخلّت عن مطلب أساسي آخر يتعلّق بإزالة اسم الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
وعلى مدى أشهر عديدة رهنت طهران التوصّل إلى أيّ اتفاق مع واشنطن بتلبية الأخيرة مطلبها هذا، لكنّ إدارة الرئيس جو بايدن رفضت هذا الشرط رفضاً قاطعاً.
وتهدف المفاوضات التي بدأت قبل 16 شهراً وتوقّفت لبضعة أشهر ثم استؤنفت في مطلع أغسطس (آب) الحالي إلى إحياء الاتفاق الذي أبرمته الدول الكبرى الستّ (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) مع إيران في فيينا في 2015 ثم انسحبت منه الولايات المتّحدة بصورة أحادية في 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
عقبات يجب تجاوزها
وفيما نفى المسؤول الأميركي أن تكون واشنطن قدّمت تنازلات لطهران، قائلاً إنّ “إيران هي التي قدّمت تنازلات في قضايا مهمّة”، ثمة عقبات ما زالت قائمة.
قال لمسؤول الأميركي “لا تزال هناك عقبات يجب تجاوزها، لكن إذا أردنا التوصّل إلى اتفاق للعودة إلى الاتفاقية النووية (لعام 2015)، فيجب على إيران أن تتّخذ العديد من الخطوات المهمّة الرامية لتفكيك برنامجها النووي”.
وأوضح أنّ من بين الخطوات التي يتعيّن على إيران القيام بها عدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67 في المئة أو تخزين أكثر من 300 كلغ من هذه المادة، وذلك حتى العام 2031، بالإضافة إلى إيقافها آلاف أجهزة الطرد المركزي عن العمل وتفكيكها.
إيران تطالب ببعض التعديلات
من جهتها طلبت طهران إدخال “بعض التعديلات” على مسودّة الاتّفاق التي اقترحها الاتّحاد الأوروبي على كلّ من إيران والولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى الأطراف في الاتفاق النووي، بحسب ما أعلن الوسيط الأساسي في هذا الملف، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل.
وفي مقابلة أجراها معه التلفزيون الوطني الإسباني، الثلاثاء، قال بوريل إنّ “القسم الأكبر” من المشاركين وافقوا على المطالب الإيرانية التي لم يكشف عن مضمونها، مؤكّداً أنّ “ما ينقص هو ردّ الولايات المتحدة فحسب”.
وكان بوريل رجّح، الإثنين، عقد اجتماع “هذا الأسبوع” في فيينا حيث مقرّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونفت الولايات المتّحدة، الإثنين، الاتهامات التي وجّهتها إليها إيران بالتسويف في المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي، مؤكّدة أنّه لا تزال هناك “قضايا عالقة” يتعيّن حلّها من أجل التوصّل لاتّفاق.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحافيين إنّ “فكرة أنّنا أخّرنا هذه المفاوضات بأيّ شكل من الأشكال هي بكلّ بساطة غير صحيحة”.
وأوضح أنّه بعد أن أرسل الاتّحاد الأوروبي في أواخر يوليو (تموز) إلى كلّ من طهران وواشنطن ما أطلق عليه اسم النصّ “النهائي” للاتّفاق المقترح، ردّت إيران “بعدد من التعليقات”، من دون أن يحدّد ماهيتها.
وأضاف “هذا هو السبب في أنّنا استغرقنا بعض الوقت الإضافي لمراجعة تلك التعليقات وتحديد ردّنا. نحن نراجع هذه التعليقات بجدّية”.
الطرفان لن يعترفا بالتنازل
وبالنسبة إلى سوزان ديماجيو، الخبيرة في “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”، فإنّ بلوغ الطرفين الإيراني والأميركي هذه المرحلة المتقدّمة من المفاضوات يعني أنّ كليهما تحلّى بقدر كاف من المرونة”.
وقالت إنّ “أيّاً من الطرفين لن يعترف بذلك، لكنّ الحقيقة هي أنّه في مفاوضات مماثلة مع رهانات مماثلة، ولا سيّما بين خصوم، فإنّ تقديم تنازلات صعبة هو السبيل الوحيد للتوصّل إلى اتّفاق”.
وأضافت أنّه “إذا تمكّن كلّ طرف من جعل الأمر يبدو وكأنّه انتصار له، فستكون هناك حظوظ بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيظلّ المسار محفوفاً بالمخاطر”.
رفع العقوبات لقاء خفض الأنشطة النووية
وأتاح الاتفاق المبرم في 2015 بين إيران والدول الست الكبرى، واسمه الرسمي “خطة العمل الشاملة المشتركة”، رفع عقوبات عن طهران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
وانسحب ترمب من الاتفاق في 2018 وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران. وتعهّد بايدن لدى تولّيه منصبه إعادة إحياء الاتفاق لكنّه اصطدم بالمطالب الإيرانية من جهة وبالأصوات المعارضة للاتفاق داخل الولايات المتّحدة ولا سيّما في صفوف المعارضة الجمهورية.
وزادت حدّة الاعتراضات في الداخل الأميركي بعد أن كشفت الولايات المتحدة أخيراً النقاب عن مؤامرة لاغتيال المستشار السابق للبيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جون بولتون، حاكها بحسب واشنطن، أحد أفراد الحرس الثوري الإيراني.
انديندت العربي