مع تسرب أنباء عن قرب توصل الغرب والصين وروسيا لإحياء الاتفاق النووي، الذي ألغاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، تتزايد المخاوف مما سيترتب على هذا الاتفاق من توغل إيراني في المنطقة العربية، وتجاهل المجتمع الدولي للسياسات الإيرانية المدمرة بالبلدان العربية، فإلام يهدف الغرب من سياساته المحيرة تجاه طهران؟
تهدف السياسات الغربية تجاه إيران منذ قيام الثورة الإيرانية إلى هدفين استراتيجيين، بقاء النظام، والحد من النظام. والحد من النظام هو بالحد من طموحاته التي من أولوياتها الحصول على القنبلة النووية والهيمنة على المنطقة العربية.
لا يغفل المتابع التباين في المواقف بين الدول الغربية تجاه العلاقة مع إيران، لكنها في الغالب تباينات شكلية، فبينما تقيم بريطانيا وفرنسا علاقات دبلوماسية متقطعة، ترفض إيران إقامة علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وترفض الجلوس معها “مباشرة” على طاولة مفاوضات النووي بعد أن ألغته إدارة ترمب.
هذا الرفض الظاهري أهم عوامل الشحن الجماهيري لمعاداة “الشيطان الأكبر”، لكن إيران تفاوض الولايات المتحدة بعيداً من كاميرات الإعلام، فشعار “الشيطان الأكبر” هو للاستهلاك المحلي.
تدرك إيران أن أهم المواقف الغربية للعودة للاتفاق النووي هو موقف الولايات المتحدة التي تخلت عن الاتفاق، بالتالي فالعودة له تعني تحديداً عودة الولايات المتحدة للاتفاق.
تختلف الإدارة الجمهورية عن الديمقراطية في الولايات المتحدة في ترتيب هذين الهدفين، فبينما يركز الديمقراطيون على هدف بقاء النظام، يرى الجمهوريون أن الأولوية هي الحد من طموحاته KEEP IT AT BAY.
ولعل ما كتبه ديفيد شينكر وكيل وزارة الخارجية المساعد لشؤون الشرق الأدنى في الإدارة السابقة بمجلة “فورين بوليسي” الشهر الماضي، يختصر توجهات إدارة بايدن في ما يتعلق بالحد من طموحات إيران التوسعية، فقد عنون مقاله بالآتي، “عدم اكتراث بايدن بما يجري في العراق أعطى إيران اليد الطولى فيه”.
العنوان بحد ذاته يختصر التوجهات التي تسير عليها إدارة بايدن، وهي التوجهات نفسها التي تبنتها إدارة رئيسه السابق باراك أوباما، فقد أطلق أوباما العنان لإيران بعد سحب الجيش الأميركي من العراق عام 2011، ثم توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وبعدها أطلق أموالها المجمدة وأعطاها مئات الملايين من الدولارات نقداً لتمول بها ميليشياتها الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفريقيا.
هناك قناعة “بليدة” تعززها كتابات لوبي إيراني-أميركي بأن العقوبات تعزز بقاء النظام ولا تضعفه، يقود هذه القناعات محللون وأكاديميون وكتاب ككريم ساجدبور، الذي كتب لـ”نيويورك تايمز” قبل أيام مقالاً عنوانه “ما لا تفهمه أميركا عن إيران”.
يختصر المقال أن أميركا بفرض العقوبات على إيران إنما هي تقوي النظام ولا تضعفه، بالتالي يقود للاستنتاج أن رفع العقوبات يضعف النظام وقد يقود إلى إسقاطه.
توقيع الاتفاق من عدمه لن يوقف طموحات إيران النووية ولا التوسعية، بل على العكس، فالنظام في طهران يدرك أن حماسة إدارة بايدن للعودة للاتفاق بأسرع وقت ممكن تعني العودة لإطلاق يدها في المنطقة ورفع الحصار عنها لتعود لسياسة التغول والتدخل في الشؤون العربية، ولعل هجوم إيران على قاعدة التنف الأميركية في جنوب سوريا المتكرر هو بالونات اختبار مبكرة لتوجهات إيران بالهيمنة الكاملة على مناطق جنوب وشرق سوريا.
والسياسات الغربية لن تكترث لهيمنة إيران على المنطقة طالما يحقق لها ذلك بيع السلاح للعرب من جهة، والتفاهمات مع إيران حول حماية مصالحها في المنطقة من جهة أخرى، ومن الإنصاف القول إن تلك توجهات مصلحية براغماتية غربية وطبيعية في ظل غياب مشروع عربي يفرض أجندته على إيران ويحد من طموحاتها التوسعية، بالتالي يفرض احترامه على التوجهات الغربية التي ستتحول حتماً مع بوصلة مصالحها.
عدم سقوط النظام والحد من طموحاته معاً، أو طموحاته التي يمكن أن تؤثر في المصالح الغربية هو مختصر الاستراتيجية الغربية تجاه نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي سياسة يمكن اختصارها بالمثل الشعبي، “لا يموت الذيب، ولا تفنى الغنم”.
سعد بن طفلة العجمي
اندبدت عربي