انطلقت في مدينة سمرقند باوزبكستان يومي 15_16 أيلول 2022 اجتماعات الدورة (22) لزعماء دول منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي بمشاركة جميع قادة ورؤساء الدول الأعضاء فيها (روسيا والصين والهند وباكستان وطاجكستان وأوزبكستان وكازخستان وقرغيزستان) والتي تأتي والعالم يواجه مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة ألقت بظلالها على طبيعة وأحداث الأمن الدولي والسلم الأهلي وأثرت على استقرار وسلامة الاقتصاد والتجارة العالمي وتدفقات الاستثمار المالي والتعاملات التجارية وأكثرها تأثيرا المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا والصراع بين الصين وتايوان ومباحثات البرنامج النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا والحروب الجانبية بين الدول المجاورة وخاصة أرمينيا وأذربيجان وآخرها المواجهات بين طاجكستان وقرغيزستان وهما أحد دول الاعضاء في منظمة شنغهاي.
تحظى اجتماعات المنظمة باهتمام دولي واقليمي كونها تتضمن مناقشة العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، واتسمت هذه الدورة بوجود(30) ثلاثين وثيقة تضمنت الأطر الرئيسية لكيفية تطوير أنشطة المنظمة وزيادة حجم التجارة الإقليمية بين دولها وتطوير صيغ التعاون في مجالات الصناعة والنقل والتقنيات الرقمية والابتكارات العلمية والخدمات اللوجستية ومجالات الزراعة والطب ، فهي تسعى إلى عملية الجذب الجمعي الذي يضمن أمن وسلامة واستقرار البلدان الأعضاء فيها فهي لا تعتبر غاياتها عسكرية كالحلف الأطلسي الغربي ولا ذات أهداف سياسية كالاتحاد الأوربي وإنما تسعى لمواجهة أي تحديات أمنية تواجه أعضائها وتعزز اقتصادها من خلال تعميق العلاقات التجارية وتحسين التعاون بينها ومواصلة الاستقرار الإقليمي والتنمية الاجتماعية وتعميق العلاقات الثقافية .
عندما ننظر إلى الأبعاد الحقيقية والغايات الجوهرية والنتائج المتحققة من هذا الاجتماع نكون أمام العديد من الإشارات والرسائل السياسية التي تم إرسالها العالم وتحديدا للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية بعد الاجتماع الذي عقد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينيينج على هامش اعمال المنظمة والاعلان عن رفضهما لبناء نظام عالمي أحادي القطبية وانه يشكل صيغة قبيحة في الاونة الأخيرة وهي رسالة واضحة للإدارة الأمريكية ودورها في السياسة الدولية ومحاولاتها الهيمنة على مقدرات الشعوب وتدخلها الاخير في الدعم المباشر لاوكرانيا ضد روسيا وموقفها التضامني الداعم سياسيا وعسكريا لتايون في مواجهة الأهداف والمصالح الصينية في بحر الصين ومنطقة المحيط الهندي والهادي.
أرادت روسيا أن تؤكد أنها ليست في حالة عزلة دولية وحضور رئيسها بوتين لاجتماعات المنظمة واللقاءات والحوارات التي أجراها كانت بمثابة تحدي سياسي لواشنطن أعطاها بعدها الآخر في لقائه مع الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي حضر فعاليات المنظمة بعد إعتماد إيران عضوا رئيسيا فيها في الدورة السابقة التي عقدت في أيلول 2021 بالعاصمة الطاجكستانية (دوشنبه) ليؤكد ان العلاقة بين الدول الخاضعة للعقوبات الدولية يمكن أن تتجاوزها بالعمل والتضامن الجمعي وهذا ما أكده فيها رئيس النظام الإيراني ، وأبدى كلاهما استعدادهما للمضي في استكمال توقيع معاهدة إستراتيجية جديدة بين البلدين تساهم في توطيد العلاقات في جميع المجالات .
ان المنظمة وتوجهاتها من الممكن أن تشكل عاملا مهما في بناء عالم متعدد الأقطاب يكون ندا للاتحاد الأوروبي ويواجه دول السبع الكبار كون المؤهلات والامكانيات التي تمتلكها الدول الأعضاء في المنظمة كبيرة وواسعة فهي تشكل في مساحتها نصف العالم وأصبحت عبارة عن تجمع إقليمي ذو أهداف واضحة يقوم على عدة عوامل رئيسية أهمها التركيز على الأمن والدفاع المشترك وتعزيز التوجه الاقتصادي الدولي للصين المتمثل بمشروع الحزام والطريق وحل جميع الخلافات الحدودية بين أعضائها وهو ما تحقق في تخفيف حدة الخلافات الحدودية بين قرغيزستان وطاجكستان فهي ترى أن لا خروج من جميع الأزمات إلا عبر حوار بناء وتعاون يقوم على احترام ومراعاة مصالح جميع الدول الأعضاء خاصة في وقت الأزمات والصراعات التي تهدد أمن وسلامة الدول ومكانتها في منظمة شنغهاي وبهذا يتم توحيد الجهود في مواجهة التحديات والتهديدات التي تستهدف استتباب الأمن الإقليمي وتفعيل عوامل التنمية المجتمعية التي تخص الجميع.
حظيت فعالية منظمة شنغهاي هذه السنة بطلب دول (الإمارات وقطر والبحرين والكويت ومصر والسعودية وجزر المالديف وميانمار) بالانضمام للمنظمة وتم اعتماد هذه الدول(شريك حوار) وهذا ما اقراه المادة 14 من ميثاق المنظمة الذي يشير إلى أن أي دولة أو منظمة تشارك أهدافها ومبادئها مع منظمة شنغهاي للتعاون وترغب في إقامة شراكة معها فتندرج تحت عنوان شريك حوار إلى أن تستكمل جوانبها المختلفة ليتم بعدها حصول موافقة الدول الأعضاء المؤسسين على اعتبارها من الدول الأعضاء الدائمين، ولاقى منح الدول العربية صفة شريك حوار ترحيب كبير من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واعتمدت المنظمة دول(أذربيجان وسيريلانكا والنيبال وتركيا وارمينيا وكمبوديا ) شركاء مشاركين.
ان هذا الحضور الدولي والإقليمي والاهتمام العالمي الذي تبديه بعض الدول الآسيوية والعربية في طلب الانضمام إلى منظمة شنغهاي يعود للاهداف الفاعلة التي أعلنت عنها في بداية تأسيسها عام 2001 والتي توسعت بعدها المنظمة لتصبح حلقة رئيسية مهمة للتفاعل بين الدول على المستوى الإقليمي والدولي والتغلب على الخلافات وتعزيز التفاهمات بينهم وتوحيد البلدان على اختلاف الثقافات والحضارات وأصبحت جزءا من النظام العالمي وهي الآن تعتبر أكبر منظمة إقليمية في العالم بعمق تصوراتها الاقتصادية واهدافها بتعزيز الأمن الإقليمي ودفع اقتصاد الدول الأعضاء لتوحيد الإمكانيات البشرية والعلمية والفكرية وفتح نوافذ إستراتيجية حيوية للعمل في مجالات النقل والتجارة وكان من ثمرة الاجتماع الاخير توسيع دائرة التعاون والتفاهم المشترك وبناء قاعدة اقتصادية متينة ضمن إطار أمني إقليمي موحد.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية