تعتقد آنا بورشيفسكايا، مؤلفة كتاب “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا” أن يأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا، والذي ظهر من خلال التهديدات النووية المتهورة والاستفتاءات الزائفة وإعلان التعبئة الجزئية، قد يكون نتيجة لضغط داخلي. بالنسبة لبوتين، الفوز هو الخيار الوحيد، والتراجع هو خيار قد يفكر فيه أي زعيم غربي، ولكن ليس القادة الروس ولاحظت بورشيفسكايا في مقال نشره موقع شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية أن بوتين حاول لفترة طويلة عدم الإعلان عن التعبئة العامة لكي يتجنب أي ردود محلية، وقالت إن بوتين يعلم بأن الحرب لن تحظى بشعبية ولذلك حافظ على “محدودية” مغامراته العسكرية قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وأشارت الكاتبة، كذلك، إلى أن بوتين حاول الحفاظ على وهم قلة الخسائر ومحدودية نطاق العملية العسكرية. ما الذي تغير؟ الإجابة بالنسبة للكاتبة واضحة ومفهومة، وهي أن الدائرة المتطرفة المحيطة ببوتين قد دفعته إلى الاعتقاد بأن التصعيد الجذري هو السبيل الوحيد لكسب المعركة في ظل الخسائر العسكرية الأخيرة، وبالنسبة لبوتين، الفوز هو الخيار الوحيد، والتراجع أو التسوية هو خيار قد يفكر فيه أي زعيم غربي ولكن ليس قادة الروس. المتشددون في دائرة بوتين يريدون البدء في حرب شاملة وسيطرة كاملة للحكومة على الاقتصاد وعلى هذا النحو، فإن أهم إشارة يجب أن تصل إلى الغرب هي التصعيد، حيث يحاول بوتين تخويف الغرب من احتمال حرب أكبر، وحتى استخدام الأسلحة النووية. وأكدت بورشيفسكايا أن العديد من المتطرفين في دائرة بوتين كانوا يدفعون باتجاه المزيد من الإجراءات بعيدة المدى، وعلى رأسهم نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن القومي، الذي يمثل ما يسمى سيلوفيكي ( دائرة من القوميين المتطرفين المرتبطين بالأجهزة الأمنية). وأشارت الكاتبة إلى أن باتروشيف قد دعا مراراً إلى البدء في حرب شاملة وإعلان التعبئة العامة بالإضافة إلى سيطرة كاملة للدولة على الاقتصاد. انتقادات التيار المتطرف في روسيا تصاعدت إلى درجة أن الكرملين أصدر تحذيراً للنقاد وفي الشهر الماضي، انضمت أصوات قومية متطرفة أخرى إلى دعوات متجددة للتعبئة، ومن بينهم إيغور جيركين (المعروف أيضاً باسم ستريلكوف)، ولاحظ العديد من المحللين بأن انتقادات التيار المتطرف في موسكو قد زادت بشكل كبير في الفترة الأخيرة من أجل المزيد من التصعيد في حرب أوكرانيا، إلى درجة أن الكرملين أصدر تحذيراً للنقاد بضرورة الحذر. ويشير لجؤ بوتين إلى التعبئة العامة إلى أنه يخاف من المتشددين في النظام – على حد تعبير بورشيفسكايا- أكثر من خوفه من جمهوره. في أواخر عام 1999، كتب بوتين مقالاً أعرب فيه عن أسفه من خسارة روسيا لمكانتها الدولية، وفي الواقع، سيطر هذا الخوف على صناع السياسة في موسكو، ومن المفارقات أن قرارات بوتين قد تؤدي في النهاية إلى نفس الشيء، الذي سعى إلى منعه.
القدس العربي