تعرضت عشر قواعد لأحزاب كردية – إيرانية قرب مدينة السليمانية في كردستان العراق لهجمات بطائرات مسيّرة إيرانية صباح الأربعاء الماضي، مما أدى لمصرع 13 شخصا، على الأقل، ووقوع عشرات الجرحى.
تزامن الهجوم، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية في إيران على خلفيّة مقتل مهسا أميني، وهي فتاة كرديّة كانت تزور طهران حين أوقفها رجال شرطة الأخلاق.
الحرس الثوري الإيراني قال، في يوم الهجوم، إنه قصف القواعد الرئيسية لحزبي الديمقراطي الكردستاني الإيراني و«الحرية الكردستاني» بـ«صواريخ دقيقة التوجيه وطائرات مسيّرة» للمرة الثالثة في أربعة أيام محذرا من أن الضربات ستستمر حتى «زوال التهديد بشكل حاسم».
يربط الحرس الثوري هنا، بشكل واضح، بين ما يحصل في شوارع المدن الإيرانية، من قبل «مثيري الشغب» كما يسميهم، بـ«أعداء أجانب» وقد وجّه مسؤولون أمنيون إيرانيون اتهامات للجماعات المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة، التي يتواجد بعضها في العراق، بالتسلل إلى المناطق الكردية في إيران «لزرع انعدام الأمن».
المستجد على هذه الثنائية الحادة، التي تربط دائما بين أي شكل من الاحتجاج الشعبي و«المؤامرات الخارجية» كانت تصريحات أطلقها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (وفي يوم الهجوم على كردستان) خلال مقابلة مع التلفزيون الحكومي قال فيها إن ما حصل لأميني خلال احتجاز الشرطة لها «أحزن الجميع في الجمهورية الإسلامية» وإنه «حادث مأساوي» مؤكدا أن الطب الشرعي سيقدم تقريرا عن وفاة الشابة في الأيام المقبلة.
من المفروغ منه أن يدافع رئيسي في المقابلة نفسها عن عناصر الأمن «الذين يضحون بأرواحهم من أجل تأمين البلاد» وأن يقول إن من شارك في «إثارة الفوضى وأعمال الشغب سيحاسب» لكنّه جدير بالملاحظة أيضا أنه أتبع ذلك بقوله: «ينبغي ألا يخشى أحد من التعبير عن آرائه».
هذه التصريحات تموضع المعادلة بين حدث «أحزن الأمة» ورفض إحداث الشغب، وبذلك تخرج هذه الأقوال، «العنصر الخارجي» التي تحرص الأجهزة الأمنية، دائما، على إعطائه الأولوية والتركيز عليه.
يعود هذا، على ما يبدو، إلى الطبيعة المأساوية الإنسانية للحادثة، التي وقعت بين شابة في مقتبل العمر وعناصر جهاز أمني يفترض أن يقوم بتوجيه النصح لا أن يعتقل ويضرب النساء، وبسبب الطبيعة الإنسانية للواقعة، وكونها لا تحمل شبهة معارضة سياسية مباشرة للنظام، فقد أدت إلى تعاطف كبير ضمن قطاعات كبيرة من المجتمع الإيراني، بمن في ذلك عشرات المشاهير من لاعبي كرة القدم والفنانين داخل إيران وخارجها، كما أنها أثارت تعاطف بعض من نواب البرلمان الإيراني الذين ناقشوا المسألة.
ليس هناك، على أي حال، حدث محلّي، بهذا الحجم، لا يؤدي إلى ردود فعل خارجية، سواء من قبل الأحزاب الإيرانية والكردية الموجودة في الخارج، أو من قبل المنظومة الدولية، التي أعلنت دولها ومنظماتها عن مواقفها بشكل أو آخر، كما فعل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي طالب بتحقيق سريع، وكذلك فعلت عواصم عديدة.
واضح أن هناك جزءا مؤثرا من النخبة الإيرانية، السياسية والدينية والثقافية، يتحلّى بالحكمة والحصافة والإدراك، ويعلم أن الاحتجاجات الشعبية هي إعلان قوي عن أزمات سياسية تحتاج حلولا تتوافق عليها الأمة، وأن تحميل «أعداء الخارج» دائما، أسباب تلك الأزمات لا يؤدي إلا إلى تفاقمها.
يُفترض في النخب الإيرانية الحاكمة، أن تتذكر دائما، أنها جاءت للحكم نتيجة لثورة شعبية بدأت باحتجاجات، وأن الإنصات لمطالب الجماهير، وليس قمعها، هو الذي يحافظ على مصداقيتها كجمهورية إسلامية، وليس العكس.
القدس العربي