في مقابلة تلفزيونية، ظهر محمد شياع السوداني، مرشح «الإطار التنسيقي» لرئاسة الحكومة العراقي، مستعداً للمغامرة في لحظة ملتبسة سياسياً وأمنياً. تصريحاته التي أدلى بها كانت تشير بوضوح إلى أن التفاوض مع مقتدى الصدر، زعيم «التيار الصدري»، لم يعد أولوية بالنسبة لخصومه في الأحزاب الشيعية.
وأطلق السوداني، مساء أول من أمس (الثلاثاء)، وعوداً بـ«حصر السلاح بيد الدولة»، ومحاسبة «حيتان الفساد»، وعدم توليه المنصب لأكثر من دورة واحدة، وفيما أكد أن آلية ترشيحه «تضمن له العمل باستقلالية»، حتى وإن كان «الإطار التنسيقي»، الذي يضم قوى حليفة لإيران، وراء ترشيحه.
وفي غضون المقابلة، كان جمهور «التيار الصدري»، يتداول في منصاتهم الإعلامية، التي غالباً ما تُستخدم للتحشيد الميداني، انطباعات وُصفت بالخطيرة عما ستؤول إليه حكومة يقودها «الإطار»، أبرزها الحديث عن أن «احتكار المؤسسات المالية والنفطية بات وشيكاً من قبل مجموعات سياسية تتبع إيران».
وحتى فجر الأربعاء، حاول ناشطون من «التيار الصدري» والحراك المدني الضغط على الصدر لإنهاء اعتكافه السياسي، والعودة إلى المشهد، بداعي «منع (الإطار) من تولي السلطة دون منافس».
من الواضح أن الهدف الذي كان السوداني يبحث عنه من الظهور الإعلامي، حتى قبل أن يتكلف فعلاً بتشكيل الحكومة، هو تهدئة الأطراف السياسية، ومنها الصدر؛ بأن برنامجه الحكومي لن يكون مشروعاً انتقامياً، بعد 10 شهور من الانسداد، ولا يبدو أنه نجح في هذه المساعي حتى الآن، فمع حلول صباح الأربعاء، بدت العاصمة بغداد مسرحاً مقطع الأوصال لتقييد احتجاجات مناهضة لـ«الإطار التنسيقي».
وترشح من مكاتب «الإطار التنسيقي» معلومات متباينة عن مسار تشكيل الحكومة، يتضمن خططاً للسيطرة على مناصب مفصلية، أبرزها مدير مكتب رئيس الحكومة، ورئاسة أجهزة المخابرات والأمن الوطني ومؤسسات النفط و«البنك المركزي»، وهي مؤشرات ذهب أنصار التيار لتفسيرها مقدمة لإعادة «الدولة العميقة»، وهي عبارة جرى استخدامها لوصف حقبة نوري المالكي.
وهكذا، بات محمد شياع السوداني، بالنسبة لكثيرين في الأجواء الصدرية، واجهة للمالكي الذي لا يزال متحمساً للعودة إلى قصر مجلس الوزراء، وكل ما يحتاج إليه هو شخصية سياسية تضمن التهدئة السياسية، والقبول الدولي والإقليمي، بينما يتولى قادة في «الإطار التنسيقي» التمدد في المؤسسات الحكومية.
ويحتاج «الإطار التنسيقي»، بحسب قيادات شيعية، إلى حكومة يسيطر عليها، للحد من طموحات الصدر وقوى التيار المدني، في تعديل نصوص دستورية، ومعالجة قانون الانتخابات والمفوضية التي يصر «الإطار» على تغييرها قبل إجراء الانتخابات؛ فالأحزاب الشيعية لن تنخرط في أي جولة تصويتية إلا بضمانات قانونية لزيادة مقاعدها بأجواء تنافسية مختلفة مع الصدر.
في هذه الحسابات المعقدة، لا يبدو أن الحراك الاحتجاجي قادر على استجماع قواه واستعادة نشاط أكتوبر (تشرين الأول) 2019؛ ثمة استقطابات حادة بين قوى الحراك، لعب «الإطار» و«التيار» أدواراً مركبة في مفاقمتها وتعزيزها. وما إن تتشكل حكومة الإطار بغياب الصدر، فليس من المرجح أن يكون الاحتجاج الشعبي قوة تغير معادلة الحكم والنافذين فيها.
الشرق الاوسط