تستمر القوى والكتل السياسية المتصارعة في العراق في ممارسة أقصى حدود العناد الشخصي فيما بينها، في وقت تستمر في طرح المبادرات أو دعوات الحوار.
رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، وفي لحظة إحساسه بالانتصار حين أجبر خصومه السابقين (قوى الإطار التنسيقي) على إعادة التصويت له حين لوّح بتقديم استقالته، طرح بعد التصويت ما سماها «وثيقة بغداد» بوصفها قاعدة جديدة لحوار قادم بين جميع المختلفين. التصويت للحلبوسي وإطلاق وثيقته جاء بعد إعلان القوى السياسية العراقية باستثناء التيار الصدري عن تشكيل سياسي جديد حمل اسم «ائتلاف إدارة الدولة» الذي كانت أولى مهامه عقد جلسة برلمانية بعد توقف دام أكثر من شهرين. ومع أن المظاهرات التي انطلقت في يوم عقد الجلسة وما أعقبها من إطلاق صواريخ وقذائف مدفعية على مبنى البرلمان لم تتمكن من إيقاف عقد الجلسة لكن ما حصل بعد عقد تلك الجلسة لم يكن في صالح المسار الذي أراد «ائتلاف إدارة الدولة» المضي فيه.
مخرجات الجلسة جاءت لصالح تحالف السيادة السني وزعيمه محمد الحلبوسي الذي تمت إعادة التصويت له من نفس القوى في «الإطار التنسيقي» التي كانت فقرة إقالته من منصبه أولى المهام التي كانت تسعى إليها. كما جاءت المخرجات لصالح النواب المستقلين وذلك بانتخاب أحدهم (النائب محسن المندولاي) نائباً أول لرئيس البرلمان، وهو المنصب الذي كان قد شغله قبل الانسحاب القيادي الصدري حاكم الزاملي. وفيما تبدو عملية انتخاب المندلاوي محاولة من قوى الإطار التنسيقي سحب النواب المستقلين وعددهم نحو 40 نائباً ضمن تحالفهم المكون من عدة قوى (دولة القانون، والفتح، والعصائب، وتيار الحكمة، والنصر، وسند، والعطاء) الذي بات يملك الأغلبية بعد انسحاب الصدر، فإن هذه القوى ضمنت مشاركة المستقلين في الحكومة التي يزمعون تشكيلها في ظل غياب الصدر. وفي الوقت الذي بدا أن الإطار التنسيقي بات يقترب من الأغلبية التي تؤهله ليس فقط لتمشية الحكومة وإنما حتى لانتخاب رئيس جمهورية بعد مساومة الحزبين الكرديين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذين لا يزالان مختلفين طبقاً لما أكده لـ«الشرق الأوسط» مصدر سياسي مطلع.
المصدر المطلع أضاف أن «الحزبين الكرديين ورغم دخولهما ائتلاف إدارة الدولة مع الإطار التنسيقي والتحالف السني بشقيه المختلفين (السيادة وعزم) فإن الخلافات بينهما لا تزال قائمة ولا توجد مؤشرات قريبة على حسمها»، مبيناً أنه «في الوقت الذي لا يحتاج فيه السنة بتحالفيهما سوى المشاركة في الحكومة على أن تتوزع الوزارات والهيئات وباقي المناصب للمكون السني بينهما وطبقاً للتمثيل البرلماني، فإن القضية عند الكرد تتمثل في عدم قدرتهما على الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية وبالتالي فإن دخولهما ضمن ائتلاف إدارة الدولة الذي تهيمن عليه قوى الإطار التنسيقي الشيعي إنما يأتي في سياق هدف مختلف لكل حزب من الحزبين الكرديين».
فالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والكلام للمصدر المطلع، كان قد أرسل عدة رسائل إلى غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني بـ«أنه مستعد للتنازل عن مرشحه لمنصب رئيس الجمهورية ريبر أحمد مقابل سحب الاتحاد الوطني الكردستاني مرشحه برهم صالح لكنه وغداة الإعلان عن ائتلاف إدارة الدولة عاد ليعلن تمسكه بمرشحه من جديد». ويفسر المصدر المطلع هذا التحول في موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه «بدأ يراهن على الموقف داخل الإطار التنسيقي الذي وإن لم يعترف بأن الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني كان حليفاً موثوقاً له طوال الفترة الماضية إلى الحد الذي أفشل الاتحاد تحالف الصدر الثلاثي في المضي بتشكيل الحكومة لكنه أخذ يمارس ضغوطاً الآن على الاتحاد الوطني لسحب مرشحه مقابل أن يسحب بارزاني مرشحه الذي عاد يلوّح به لصالح مرشح تسوية يرشحه الاتحاد الوطني أو زعيمه بافل طالباني».
ويرى المصدر المطلع أن «الحزب الديمقراطي يراهن على الخلافات داخل قوى الإطار التنسيقي الذي يريد تشكيل حكومة بأي ثمن لكي يقطع الطريق أمام الصدر وما دام أنه حسم موقف المستقلين بعد منحهم منصب النائب الأول لرئيس البرلمان فإن عينه باتت على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يملك ضعف مقاعد الاتحاد الوطني، وهو ما يسهّل أمامه تأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية».
ورغم هذه المحاولات فإن الحوار السياسي الذي كان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد رعى ثلاث جولات منه توقف حتى بعد إطلاق رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ما سماها وثيقة بغداد وهو ما يعني أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لم يستجب لكل دعوات الحوار أو اللقاء به وبات موقف الصدر من وجهة نظر المراقبين السياسيين يتناقض مع مواقفه المعلنة لا سيما بعد سحب نواب كتلته في شهر يونيو الماضي رغم كونه الفائز الأول بالانتخابات.
كما أن هذا الموقف تجسد في أثناء ظهوره في حالة عصبية خلال أحداث المنطقة الخضراء التي أدت إلى مقتل العشرات من عناصر تياره والتي دعا فيها إلى إنهاء الاعتصام والانسحاب نهائياً. وفي وقت بدا أن الصدر قرر الاعتكاف لكن ما حصل بعد ذلك، بما في ذلك اتهام التيار الصدري بمحاولة ركوب موجة مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) الأخيرة، تعني أن الصدر الذي قد يكون ندم على قراره سحب نواب كتلته قد قرر عدم السماح بتشكيل حكومة الإطار التنسيقي بمرشحها محمد شياع السوداني. والشواهد كثيرة على ذلك ومن بينها التوتر الأمني المتصاعد الذي بات يلقي بظلاله على الشارع العراقي لا سيما في محافظتي البصرة وذي قار.
الشرق الأوسط