مع اقتراب موعد إجراء انتخابات 2023 في تركيا لا يزال من غير الواضح من سيتم ترشيحه للرئاسة من قبل المعارضة.
على رغم ذكر اسم كل من كمال قليجدار أوغلو وأكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش كأقرب الأسماء للترشح، فقد بدأ ذكر اسم الرئيس الأسبق عبدالله غوليتداول مرة أخرى، فهل يترشح بالفعل؟
من المعروف للجميع أن غول، الذي تمكن بطريقة ما من العودة إلى الأجندة السياسية للبلاد يطمح إلى هذا المنصب، ولكن لم يصدر عنه مباشرة تصريح حول ترشحه للرئاسة.
ولكن قضية تداول اسمه هل كان بفعله هو؟ أم هناك أطراف أخرى تطرح اسمه على الساحة؟ من الصعب التكهن بذلك، لكن بدأت تنتشر مرة أخرى أحاديث تزعم بأن المعارضة ربما ترشحه للرئاسة.
المثير للاهتمام أنه إضافة إلى الأصوات السلبية المرتفعة من صفوف المعارضة حول ترشيحه، فإن الانزعاج الذي يشعر به حزب العدالة والتنمية بشأن ذكر اسم غول يتم التعبير عنه بصوت عال في وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة أردوغان.
أهدر غول ثلاث فرص مهمة في تاريخه السياسي تتعلق بمستقبل البلاد، لكنه لم يستطع اتخاذ خطوة لمجرد خوفه من مواجهة أردوغان، ولسوء الحظ لم يخسر هو نفسه فحسب بل خسر البلد أيضاً.
الفرصة الأولى سنحت له عندما كان رئيساً للبلاد، وكان أردوغان رئيساً للوزراء، وأطلق مطاردة الساحرات تجاه حركة كولن نهاية عام 2013. في ذلك الوقت تراسل عبدالله غول وفتح الله كولن من خلال “فهمي كورو”، الصحافي المقرب من غول.
وكان كولن قد أبلغ غول في رسالته أن المكتب الرئاسي يمكن أن يحول دون هذه الفوضى في الدولة. ولو استطاع الأخير، الذي كان يملك السلطة آنذاك، أن يدخل الموضوع في الإطار القانوني لكان أثبت أنه زعيم قوي ضد أردوغان، لكنه لم يستطع واختار التزام الصمت ليقف متفرجاً تجاه تلك الأحداث.
والفرصة الثانية التي أهدرها غول كانت في 28 أغسطس (آب) 2014، عندما انتهت ولايته. فقبل أسبوعين من نهاية ولايته، التقى الصحافيين في القصر الرئاسي، وفي أثناء هذا الاجتماع لوح لهم بأنه سيصبح رئيساً لحزب العدالة والتنمية ورئيساً للوزراء على حد سواء، إذ قال “بعد انتهاء فترة رئاستي، سأعود بلا شك إلى حزبي، وأعتقد أن تركيا ستستمر في طريقها بقوة كبيرة”.
بعد هذا البيان، غير أردوغان موعد انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية الذي كان مقرراً في سبتمبر (أيلول) إلى 27 أغسطس، أي قبل يوم واحد من انتهاء ولاية غول، وبهذه الخطوة استطاع أن ينحيه من الحزب ورئاسة الوزراء.
لكن غول مرة أخرى لم يظهر الشجاعة لمواجهة أردوغان، بل انصاع للأمر الواقع، لينزوي في منزله بعيداً من الأضواء، ولو كان قد اتخذ خطوة أو شكل حزباً، لكانت لديه الفرصة لجمع مؤيدين أكبر من حزب العدالة والتنمية، ومع ذلك لم يستطع إظهار الشجاعة لمواجهة أردوغان مرة أخرى.
وفي هذا السياق أود أن أذكر حادثة تتعلق بالموضوع، مرت بي وسبق لي أن تحدثت عنها في مقالة سابقة، في عام 2015 بعد انتهاء ولاية غول الرئاسية قمت وصديق لي صحافي بزيارة أحد أهم رجاله مراد مرجان، الذي يشغل الآن منصب سفير تركيا لدى الولايات المتحدة، وكان الموضوع الرئيس لزيارتنا “هل سيشكل غول حزباً ضد أردوغان؟”
سألنا هذا السؤال وكان الجواب الذي حصلنا عليه واضحاً:
“ما زال غول ينتظر مهمة من أردوغان في منصب، إنه لا يملك الشجاعة لمواجهته لأنه جبان”، لذلك كيف يمكن لشخص متهم بعدم الشجاعة حتى من قبل فريقه أن يكون مرشحاً؟
والفرصة الأخيرة التي أهدرها عندما كان ترشيحه حقاً على جدول الأعمال في انتخابات 2018. وكان حزب السعادة (حزب المعارضة الوحيد للإسلاميين السياسيين في ذلك الوقت) وحزب الشعب الجمهوري، قد أقنعا غول ليترشح في الانتخابات الرئاسية.
لكن في 24 أبريل (نيسان) 2018، ذهب المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين ورئيس الأركان العامة آنذاك خلوصي أكار (يشغل الآن منصب وزير الدفاع الوطني) على وجه السرعة إلى مكتب غول على متن مروحية تماشياً مع توجيهات أردوغان.
تجدر الإشارة هنا إلى أن خلوصي أكار وغول كانا صديقين، منذ أيام الدراسة في بلدة قيصري.
ما تحدثوا عنه لا يزال سراً، ولكن بعد هذه الزيارة أعلن غول عدم رغبته في الرئاسة.
ماذا كان سيحدث لو تم ترشيحه؟ هل كان سيفوز؟ أو لا يستطيع الفوز؟ وبصرف النظر عن كل ذلك، فقد تخلى عن ترشيحه بعد أربعة أيام من زيارة المروحية.
علما بأنه لو تحدى في تلك الأيام أردوغان لكان سير الأحداث مختلفاً تماماً، ولما استطاع الأخير أن يتهور بهذه الصورة، ولربما لم تكن تركيا تتحدث عن مشكلة عنوانها الرئيس: أردوغان.
بل إن بعض المقربين من غول اقترحوا عليه إعلان ترشيحه من خلال الإدلاء ببيان صحافي بعد زيارة المروحية مباشرة، أي بعد ذلك الاجتماع، لكنه تهرب عن التحدي أمام أردوغان للمرة الثالثة.
وباختصار، فإن غول لم يدخل يوماً ما في تحد مفتوح لأردوغان حتى الآن.
وإذا فرضنا أنه سيقوم بالترشح هذه المرة، ولا أتوقع ذلك، فلن يكون لذلك تأثير مهم مثل المرات السابقة التي كانت بمثابة خطوة تاريخية في تحويل مسار البلاد.
وقديماً قالوا “الرجال مواقف”، وبما أنه لم يتخذ مواقف شريفة وقرارات صعبة في الأوقات الحرجة، فلن يكون له وزن بعد هذه المرحلة، بالتالي فهو شخصية استنفد رصيده السياسي في أعين الجماهير.
اندبندت عربي