في ضوء تقدم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئيفي السن وتزايد التقارير عن تدهور صحته برزت قضية الخلافة بقوة. وعلى رغم أن مسؤولية تعيين خليفة له تقع على عاتق مجلس الخبراء إلا أنه يتوقع أن يكون لمراكز القوى الأخرى مثل الحرس الثوري وربما خامنئي نفسه، دور في تحديد خليفته.
كان جدل خلافة المرشد يتكرر مع أنباء صحته، هذه المرة تردد الصدى مع بعض التحركات التي ارتبطت باسم مجتبى خامنئي الابن الثاني للمرشد، ومن ثم برزت أقاويل وانتقادات لفكرة زراعة مجتبى كخليفة محتمل. فاختيار ولاية الإمام الفقيه تناقض تماماً المبادئ الثورية التي جاء بها النظام الذي أسسه الخميني والتي تباهت بإطاحة حكم الشاه، ومن ثم هل تتحول إيران في ظل تركز مقاليد السلطة الآن في يد الحرس الثوري والمؤسسات المتشددة معه، إلى ملكية إسلامية؟
التكهنات التي تدور حول مجتبى خامنئي ارتبطت بأن ليست له صفة رسمية، مع ذلك ينتظم في قضايا حساسة ويشارك في مشاورات غير رسمية في مكتب والده، كما أنه على علاقة جيدة بالنخبة الأمنية والاستخباراتية ويدير مصالح والده التجارية، ويسمى “رجل الظل القوي” خلف خامنئي وأخيراً جرى استخدام عبارة “آية الله” عند الإشارة إليه في أحد المواقع المرتبطة بالحوزة الدينية، مما يشير إلى ترقيته من منزلة دينية إلى أخرى.
المعروف أن لقب “آية الله” يستخدم في المذهب الشيعي “الاثني عشري” للإطلاق على من بلغ درجة الاجتهاد وهي أعلى المراتب العلمية التي يجب توافرها في من يتم اختياره من قبل مجلس الخبراء مرشداً لإيران. وتنص المادة 109 من الدستور الإيراني على المؤهلات والشروط اللازم توافرها في القائد وهي:
الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.
العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.
الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية والتدبير والشجاعة والقدرة الكافية على القيادة.
عند عرض من تتوافر فيهم الشروط المذكورة يفضل من يمتلك رؤية فقهية وسياسية على الآخرين.
وتنص المادة 5 على أنه “في زمن غيبة الإمام المهدي تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير”.
وتنص المادة 107 على الآتي “بعد وفاة مرجع التقليد المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (الذي اعترفت الأكثرية الساحقة للناس بمرجعيته وقيادته، توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من الشعب. ويتدارس هؤلاء الخبراء ويتشاورون بشأن كل الفقهاء جامعي الشرائط المذكورة في المادتين 5 و109. ومتى ما شخصوا فرداً منهم، باعتباره الأعلم بالأحكام والمواضيع الفقهية أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو يحظى بشعبية عامة أو بتميز بارز في إحدى الصفات المذكورة في المادة 109، ينتخبوه للقيادة. وفي حال عدم وجود هذه الصفات المتفوقة، ينتخبون واحداً منهم ويعلنونه قائداً. ويتمتع القائد المنتخب من مجلس الخبراء بولاية الأمر ويتحمل المسؤوليات الناشئة عن ذلك، ويتساوى القائد مع كل أفراد الشعب أمام القانون”.
والمعروف أن مجلس الخبراء الذي يتولى مهمة تعيين وعزل المرشد الإيراني أو القائد كما يسمى يسيطر عليه رجال الدين المتشددون.
ويمكن أن يسهم تحالف الحرس الثورى مع التيار المتشدد والمسيطر حالياً على الرئاسة والسلة القضائية ومجلس الشورى بدعم من خامنئي في تحديد شخص المرشد المقبل. وفي كل الأحوال، وحتى لو لم يكن هناك مانع قانوني لتعيين نجل خامنئي خلفاً له، وحتى لو كان مجتبى يتمتع بالمؤهلات المطلوبة لأداء هذا الدور، فإنه لا يتفق مع جوهر الجمهورية الإسلامية وروح الدستور.
وسابقاً، تم تداول اسم الرئيس الحالي والرئيس السابق للسلطة القضائية إبراهيم رئيسي كواحد من المرشحين لخلافة خامنئي. وكان انتخابه رئيساً في يونيو (حزيران) 2021 بمثابة مرحلة أخرى في إعداده المحتمل لخلافة خامنئي بعدما كان المرشح الوحيد في القائمة التي وافق عليها مجلس صيانة الدستور وقد حظي بفرصة الفوز في الانتخابات.
في المجمل، فإنه على خلفية تزايد الاستبداد وتمزق النظام وتزايد الانتظام السياسي للحرس الثوري وتحوله إلى قوة مركزية في النظام السياسي وقمع الفصائل المتنافسة من النخبة الحاكمة من أجل تعزيز هيمنة المتشددين في جميع مؤسسات الدولة مثل الرئاسة والقضاء ومجلس الشورى الإيراني والتخلص من حسن روحاني في مجلس تشخيص مصلحة النظام وكل من هو غير منتم إلى المتشددين، فإنه في ضوء هذه التطورات، تثار التساؤلات حول إذا ما كان سيجري تغيير شكل نظام الحكم. وتتراوح السيناريوهات بين تدخل الحرس الثوري وشبكة المصالح المرتبطة بالمرشد لحسم عملية اختيار المرشد المقبل من المتشددين، خصوصاً مجتبى خامنئي أو إبراهيم رئيسي، وبين أن يحدد المرشد الأعلى خليفته.
وسيناريو تدخل خامنئي للتأثير في عملية اختيار خليفته يرجحه حديثه أمام مجلس الخبراء مرات عدة عن اختيار خليفة ثوري. فحديثه يعني أنه سيتدخل في تحديد شخصية المرشد المقبل أو أنه سيسهم في استبعاد بعض الشخصيات غير المرغوبة من قبله. أما سيناريو تدخل الحرس الثوري لمصلحة أحد رموز التيار المتشدد، فترجحه العلاقة الوثيقة بين الحرس ومجتبى والرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.
اندبندت عربي