البطيخ طلع»، «النعنع الأخضر ولع»، «الشئسمو طاير»… مصطلحات زاد تداولها مع تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة في الأيام القليلة الماضية. فالنعنع والبطيخ والشئسمو هي محور اهتمام السوريين المتوجسين من أزمة اقتصادية جديدة لن ترحم.
ميس مغتربة سورية استفهمت قبيل قدومها زيارة لسوريا من قريبتها في دمشق عن الوضع في البلد، وصدمت بردها عبر «الواتساب»: «الأسعار نار، تخيلي تجاوز سعر باقة النعنع الخمسة آلاف ليرة»!! لم تدرك ميس أنّ المقصود ليس النعنع وإنما الشئسمو أي الدولار، لذلك وما إن وصلت إلى الحدود السورية راحت تسأل كل من تصادفه بثقة الجاهل: «هل صحيح أن سعر النعنع تجاوز الخمسة آلاف؟»، لتفاجأ بردود إيمائية ساخرة أو مستهجنة. ولم تفك ميس شيفرة النعنع إلا عندما اشترت باقة نعنع وفوجئت بأن سعرها ألف ليرة فقط.
الطبيب السوري سعيد جاويش كتب منشوراً ساخراً في حسابه على «فيسبوك» عن تقاضي ممثلة سورية مبلغاً وقدره «سبعمائة ألف نعنع أخضر كاش»، لقاء دورها في مسلسل جرى تصويره في مواقع تصوير فارهة. وقال إن هذا المبلغ يعادل راتب طبيب مقيم في سوريا لمدة «ثلاثة آلاف عام ميلادي فقط لا غير». وأضاف: «إذا كانت هذه المعلومة المرعبة قد جعلتك ترتجف فبإمكانك تهدئة أعصابك مع الفنان طوني قطان في رائعته: ياللي بتحب النعنع هذا النعنع نعنعنعنعنعناااااا».
ويمنع النظام في مناطق سيطرته التداول التجاري بغير الليرة السورية، سواء بالقطع الأجنبي أم بالمعادن الثمينة، بموجب مرسوم تشريعي أصدره بداية الحرب عام 2013 تحت طائلة العقوبة بالسجن تتراوح من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة المالية.
ودأبت السلطات السورية على ملاحقة كل من يتداول بالدولار، مع كل تدهور حاد يشهد سوق الصرف. وخلال المداهمات، يتم تفتيش دفاتر الحسابات وأجهزة الكومبيوتر والهواتف النقالة بحثاً عن أي إشارة لاستخدام الدولار، سواء في التسعير أم الدردشات العادية، لا سيما تطبيق «الواتساب» من خلال خاصية البحث عن كلمة دولار أو الرمز $، ما دفع السوريين إلى ابتكار أسماء مستعارة وشيفرات بات متعارفاً عليها بين العامة.
وبعد فترة استقرار نسبي، عاد التدهور إلى الليرة السورية الأسبوع الماضي، ليصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث قفز سعر الدولار خلال الأيام العشرة الأخيرة من معدل 4500 ليرة إلى 5120 ليرة، في أسوأ تدهور لليرة السورية منذ بداية الحرب عام 2011.
وأدى ارتفاع سعر الصرف إلى ارتباك كبير في حركة الأسواق وفوضى في ارتفاع الأسعار في ظل تفاقم أزمات الطاقة والوقود، التي أدت إلى ارتفاع كبير في أجور النقل التجاري والسياحي بين المحافظات.
ويقول موظف في مكتب سياحي إن أجرة التاكسي ذهاباً وإياباً من دمشق إلى حلب تبلغ مليوني ليرة سورية، ما يعادل (400 دولار)، وهو رقم باهظ ويفوق أجرة التاكسي من دمشق إلى بيروت أو عمان.
وتؤثر أسعار النقل على أسعار سائر السلع التي ارتفعت خلال الأيام الأخيرة بالتوازي مع قرار الحكومة رفع أسعار 16 سلعة أساسية للمرة الثانية بعد أيام قليلة من رفعها بنسبة 10 في المائة. ووصل السعر التأشيري في القرار الذي صدر قبل ثلاثة أيام، كيلو السكر إلى 4600 ليرة سورية، والأرز نحو 4400، ولتر زيت دوار الشمس نحو 14 ألف ليرة، وكيلو السمن النباتي إلى 15 ألفاً.
كما طاول الارتفاع أسعار باقي المواد الأساسية الأخرى مثل السميد والشاي والبن والدقيق وغيرها من الأصناف.
وكلفت الحكومة الجهات المعنية بالمحافظات، إصدار نشرات دورية أسبوعية لأسعار البيض والفروج واللحوم الحمراء والألبان والأجبان.
يشار إلى أن الحكومة رفعت الأسعار بعد قرار مصرف سوريا المركزي رفع سعر الصرف الرسمي صرف الدولار مقابل الليرة، الذي أدى إلى تسارع انهيار سعر الصرف في السوق السوداء.
وبدل أن يؤدي قرار الحكومة إلى ضبط الأسواق، تسبب في موجة غلاء جديدة زادت من مشقة الحياة وأسهمت في تعطيل إنتاج الورش الصغيرة التي يعتمد عليها اقتصاد تسيير الأمور السائد في سوريا منذ اندلاع الحرب، بحسب ما قال تاجر دمشقي. ورأى في رفع الحكومة الأسعار مرتين خلال أقل من عشرة أيام دليلاً على عجزها عن تحسين سعر الصرف ودعم المواد الأساسية من الموازنة. وأضاف أن «انهيار الليرة أمر متوقع»، لافتاً إلى أن «السعر الحالي للصرف ليس هو السعر الحقيقي، بل إن قيمة الليرة أدنى بكثير، في ظل اقتصاد شبه معطل، وأزمة محروقات وطاقة متصاعدة، وعقوبات اقتصادية دولية قاسية. إضافة إلى التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية في أوكرانيا، ما ينذر بأن البلاد مقبلة على أزمة اقتصادية جديدة قاسية».
الشرق الأوسط