الجزائر – مع نهاية 2021 تعهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن يكون 2022 عاما اقتصاديا بامتياز، وجاءت الحرب الروسية لتضع البلاد في قلب الاهتمام الغربي في ظل أزمة طاقة عالمية.
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن شركة “سوناطراك” الحكومية -عملاق النفط الجزائري- استشرفت تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على أسواق النفط، لتعزز تموقعها في خارطة سوق النفط العالمية، رغم إقرارها بعدم قدرة إنتاجها على تعويض الإمدادات الروسية.
وأبرمت الجزائر عدة اتفاقات مع شركات عالمية لزيادة الإمدادات أو للاستثمار بسوق النفط المحلية بعد سنوات من الركود، مما سيعزز من العائدات ويسمح بتوظيف الفوائض المالية لتحقيق التنويع الاقتصادي، خصوصا في قطاع الزراعة الذي تعول عليه الحكومة لدعم الأمن الغذائي في البلاد، وتقليص فاتورة الاستيراد.
والثلاثاء الماضي كشفت مفوضة الاتحاد الأوربي للطاقة كادري سيمسون أن زيارتها للجزائر جاءت من “أجل التزود بالغاز الجزائري”.
وأكدت أن أوروبا ترغب في “شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع الجزائر لتكون موردا موثوقا فيه للغاز إلى أوروبا”، خصوصا عقب توقف الإمدادات الروسية بعد العملية العسكرية في أوكرانيا.
اكتشافات ضخمة
وباتت الجزائر تتصدر الترتيب العالمي في 2022 من حيث الاكتشافات النفطية والغازية بـ11 اكتشافا، وفق ما كشف عنه الأربعاء الماضي مدير قسم الاستكشاف بسوناطراك في تصريح للإذاعة الحكومية، تليها النرويج بـ7 اكتشافات، وفق تقارير دولية.
وأشار إلى أن 9 من الاكتشافات تمت بمجهودات خاصة من شركة النفط الحكومية، واثنان بالشراكة مع شركة “إيني” الإيطالية.
ومن بين هذه الاكتشافات:
حقل “حاسي الرمل” الواقع في الجنوب الشرقي من البلاد، والذي يعد أكبر عملية تقييم لاحتياطات البلاد الغازية منذ 20 عاما، وفق ما أكدته شركة سوناطراك في يوليو/تموز الماضي، وبيّن تقييمه الأولي وجود 100 إلى 340 مليار متر مكعب من الغاز المكثف.
حقل “زملة العربي” الذي يقع ضمن حقول “حوض بركين”، وقدرت احتياطاته الأولية بنحو 140 مليون طن من النفط.
“بئر ترسيم” وبلغت احتياطاته 962 مليون برميل نفط، بحسب بيانات رسمية من سوناطراك.
اكتشاف كميات ضخمة من النفط بمحافظة أدرار الواقعة في الجنوب الغربي من البلاد، وقدرت بنحو 151 مليون برميل.
وسبق لتوفيق حكار المدير العام لشركة سوناطراك أن أعلن أنها حققت 35 اكتشافا بتروليا وغازيا خلال الفترة 2020-2022، بينها 34 اكتشافا بالمجهود الذاتي للشركة، في حين بلغ احتياطي هذه الاكتشافات 307 ملايين طن.
آفاق واعدة
وتعتزم الجزائر رفع إنتاجها من النفط المكافئ إلى 205 ملايين طن بحلول العام 2025 بمعدل نمو سنوي يقدر بـ2%.
وخلال عرض حصيلة الحكومة أمام البرلمان مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أعلن رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن أن إنتاج النفط والغاز في البلاد سيرتفع مع نهاية العام الحالي إلى 191 مليون طن، مقابل 186 مليون طن في 2021، في وقت منحت فيه حكومته رخص استكشاف بالبحر لمؤسسة “الجزائرية للنفط” وشركات نفط أجنبية لدعم مستويات الإنتاج.
وفي 18 يوليو/تموز الماضي، وقعت سوناطراك اتفاقية ضخمة مع 3 شركات نفطية عالمية بقيمة 4 مليارات دولار، ويتعلق الأمر بـ”إيني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية و”أوكسيدنتال” الأميركية.
وستسمح هذه الاتفاقيات بإنتاج أكثر من مليار برميل مكافئ نفط من المحروقات في حوض بركين جنوبي شرقي الجزائر.
وتتوقع شركة سوناطراك أن تصل مداخيل البلاد من صادرات البترول والغاز مع نهاية العام الحالي إلى نحو 50 مليار دولار، في حين سمحت أوضاع سوق الغاز العالمية بزيادة الصادرات الجزائرية بنسبة 54% عن طريق خطوط أنابيب الغاز، و13% عن طريق ناقلات النفط.
يأتي ذلك في وقت ارتفع فيه سعر النفط الجزائري (صحراء بلاند) مع نهاية مايو/أيار الماضي بنسبة 68% مقارنة مع الفترة ذاتها من 2021.
ويتجاوز إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي مستوى 130 مليار متر مكعب سنويا، من بينها أزيد من 55 مليار متر مكعب للتصدير، ونحو 50 مليار متر مكعب للاستهلاك المحلي، وقرابة 30 مليار متر مكعب يتم ضخها في الآبار للحفاظ على نشاطها، وفق تصريحات سابقة لمسؤولين جزائريين.
وتصل احتياطات الجزائر من الغاز الصخري إلى 24 ألف مليار متر مكعب، وأكثر من 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، و6 آلاف مليار برميل من البترول، بحسب أرقام صادرة عن وزارة الطاقة الجزائرية في 2020.
يشار إلى أن الاقتصاد الجزائري نما بـ4.7% في 2021، وحقق الميزان التجاري فائضا كبيرا مع نهاية أغسطس/آب الماضي قدر بـ14 مليار دولار، في حين سجل ميزان المدفوعات فائضا بلغ 9.1 مليارات دولار.
تنويع الاقتصاد
وفي ضوء المداخيل المتوقعة من عائدات النفط، تعتزم الحكومة الجزائرية إعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية بهدف تنويع اقتصادها عبر إطلاق مشاريع ضخمة في قطاع المناجم.
وبعد أن كان 2022 عاما اقتصاديا، يبدو أن السلطات الجزائرية تعتزم أن يكون 2023 عاما فلاحيا، وفق ما تم الكشف عنه في أحد اجتماعات مجلس الوزراء.
وأعطى الرئيس الجزائري الأحد الماضي خلال اجتماع لمجلس الوزراء الضوء الأخضر لاستيراد المعدات الفلاحية بكافة أنواعها وقطع الغيار، مشددا على ضرورة إخراج الفلاحة من الطابع الاجتماعي إلى الطابع العلمي.
كما أمر بـ”تشديد الرقابة على الحَفر غير المدروس للآبار، الذي يعرض المياه الجوفية الصالحة للشرب إلى خطر الملوحة، بالموازاة مع شح الأمطار والتغيرات المناخية، مع إلزامية تغيير الإدارة التقليدية لتسيير الفلاحة”.
وفي تصريح للجزيرة نت، أشار الخبير في الشؤون المالية والطاقة أبو بكر سلامي إلى أن جاذبية الجزائر من حيث تدفق الاستثمارات وإبرام العقود مع الشركات العالمية والدول تعود إلى سببين، أولهما يتعلق بالظروف العالمية وما نتج عنها من ارتفاع للأسعار، أما السبب الثاني -وفق المتحدث نفسه- فيتعلق بتغيير السياسات والإستراتيجيات الاقتصادية في البلاد.
وفي ما يتعلق بمدى قدرة الجزائر على توظيف الفوائض المالية لتحقيق التنويع الاقتصادي، أشار سلامي إلى أن ارتفاع أسعار النفط والغاز يمثل فرصة للتحول نحو اقتصاد متنوع.
ورأى أن الإيرادات الإضافية تساعد على تحسين الوضع المعيشي للمواطن، في حين يذهب الجزء الأكبر لإنعاش الاقتصاد ودعم العديد من القطاعات.
المصدر : الجزيرة