إذا كانت القوى والأحزاب السياسية في العراق قد توصلت إلى اثنين من الاستحقاقات الدستورية فانتخب البرلمان رئيساً للجمهورية وسارع الأخير إلى تكليف محمد شياع السوداني -المشهود له بالنزاهة وهذه شهادة جميع من عمل معه- بتشكيل حكومة جديدة، فإن هذا النجاح يظل محفوفاً بالمخاطر والعوائق. يلتزم التيار الصدري الصمت حول هذا التكليف، إذْ لم يكن راضياً عن الاسم، وقد أعلن رفض المشاركة في الحكومة وقد يلجأ إلى التعطيل. ومن جهة ثانية سوف يخضع الشياع لإرادة قوى الإطار التنسيقي التي جاءت به، وبالتالي فإن سلبيات صراع الأحزاب سوف تنعكس على جهود التشكيل.
تخوض الكتل والأحزاب السياسية العراقية صراعاً حاداً منذ أيام على الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، تجاوز بعضه نطاق التحاصص الطائفي بين المكونات السياسية، ووصل إلى داخل التكتلات السياسية الطائفية ذاتها. ويُعرقل هذا الصراع مساعي رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني في تشكيل حكومته بشكل سريع كما كان يأمل، خصوصاً أن جلسة التصويت على منح الثقة كانت تستهدف عقدها أمس السبت، لكنها تأجلت إلى إشعار آخر، بسبب الصراع على الوزارات، خصوصاً النفط والمالية والدفاع والصحة والخارجية.
ويرى المتابعون للشأن العراقي أن المزاد الحاصل في منح الوزارات، والانغماس في المحاصصة الحزبية، سيعوق السوداني عن تشكيل حكومة قوية، لا سيما في وجود شخصيات ورجال أعمال، يريدون أشخاصًا بعينهم لتسلم المناصب الوزارية، ويتدخلون في هذا الشأن.
ويرون أيضًا أن الصراع والخلاف ما بين الكتل والأحزاب المتنفذة على المناصب والوزارات هو سبب عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا الصراع تشهده العملية السياسية مع تشكيل أي حكومة جديدة، طيلة السنوات السابقة.
وتعتقد نفس الأوساط أن القوى السياسية تريد ضمان نفوذها ووجودها السياسي من خلال المناصب التي تستحوذ عليها في كل حكومة، ولهذا هي لن تدعم السوداني لتشكيل الحكومة، دون أن تأخذ ما تريد من مناصب، وبخلاف ذلك، ربما يفشل السوداني في مهام تشكيل الحكومة بسبب صراع المناصب كما حصل في سنة 2019 مع محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي.
تتركز أنظار العراقيين هذه الأيام على رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني، ومدى قدرته على تنفيذ الوعود التي قطعها خلال الأيام الأخيرة، ويرى جزء من الشارع العراقي أن السوداني لديه فرصة كبيرة لتحقيق انتعاشة اقتصادية في البلاد، لكنهم يستبعدون قدرته على مواجهة أخطبوط الفساد. وتستدرك الأوساط بالقول إن هذا الدعم السياسي والبرلماني للسوداني قد يشكل في الآن ذاته عائقا أمام تحقيق إصلاحات فعلية لاسيما على صعيد مكافحة الفساد الذي بلغ مستويات قياسية في السنوات الأخيرة. وفتحت السلطات العراقية تحقيقا في “سرقة” 2.5 مليار دولار من أموال أمانات هيئة الضرائب في بنك حكومي، كما أعلن مسؤولون، في قضية تكشف من جديد عن عمق الفساد المستشري في البلاد.
أن محاولات تشكيل الحكومة العراقية ليس بعيدة عن حالة الغموض التي يشهدها المشهد السياسي اليوم، من خلال التزام مقتدى الصدر الصمت، بالإضافة إلى انعدام الرؤية الواضحة في التطور المُحتمل لتداعيات الصراع العالمي والإقليمي المؤثر على العملية السياسية في العراق، كمستقبل الانتفاضة الشعبية المستمرة في إيران والموقف الأمريكي منها، قد يزيد من حجم الصعوبة في إمكانية القدرة على التكهن بمستقبل المشهد السياسي العراقي بصورة عامة والاتجاه القادم التي سيختاره التيار الصدري. حيث بدى واضحا ان تطور حدة الصراع بين السيد مقتدى الصدر وخصومه المتحالفين مع إيران ومن ثم صمته الأخير في عملية انتخاب محمد شياع السوداني، جاء بالتزامن مع فشل المراحل الأخيرة لملف إيران النووي، وبدء انتفاضة الشعوب الإيرانية التي قد يكون لها الدور والقدرة في تغيير المعادلة العراقية في حال ان تطورت إلى ثورة لتغيير النظام في إيران.
ووفقاً للدستور العراقي النافذ بالبلاد، فإن أمام السوداني 30 يوماً لتشكيل الحكومة الجديدة، التي ستكون وفقاً لمبدأ التوافق السياسي المعمول به في البلاد، وعبر توزيع الحقائب الوزارية بين الطوائف الرئيسة الثلاث، مع منح حقائب أخرى لقوى الأقليات بواقع وزارة لكل واحدة منها، وهو ما يرفضه الصدر ويعتبره سبباً في تفشي الفساد والطائفية بالبلاد والفشل في تقديم الخدمات الأساسية، وتوفعات تشير بأن تشكيل الحكومة العراقية القادمة لن تتجاوز تلك المدة الدستورية. والذي قد يساعد على تشكيل هذه الحكومة في مدتها الدستورية بأن السيد مقتدى الصدر لا يمانع أن تشكل الحكومة من قبل محمد شياع السوداني وإنما رفضه أن يتم تشكيلها من قبل الإطار التنسيقي. وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أن الصمت الذي يتسم به السيد مقتدى الصدر إزاء تشكيل الحكومة في الوقت الحالي، قد يكون صمتًا مؤقتًا بانتظار تشكيل الحكومة بشكل رسمي وعلى ضوئها أن يحدد موقفه منها.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية