أعلن البيت الأبيض مطلع تشرين الأول/أكتوبر بعد تأخر طويل بسبب حرب روسيا على أوكرانيا استراتيجية الأمن الوطني التي تقدم للكونغرس وتعلن للحلفاء والخصوم وتضع خطوطا عريضة وخريطة طريق للمسار والأهداف الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية. جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة تطبقها، لكن ليس بالضرورة أن تكون الاستراتيجية صائبة ولا تطبيقها ناجح. وقد تكون استراتيجية بالاسم أكثر منها بالفعل.
وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية الأمن الوطني الجديدة «أن استراتيجية الأمن الوطني تتعامل مع العالم كما هو اليوم، وتضع المستقبل الذي نسعى إليه، وتقدم خريطة طريق لكيفية تحقيق ذلك».
حددت الاستراتيجية سعي الولايات المتحدة على «تعزيز مصالحها الحيوية والسعي إلى عالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن، وتوظف الاستراتيجية من عناصر القوة الأمريكية للتغلب على المنافسين الاستراتيجيين، والتعامل مع التحديات لحماية أمن الشعب الأمريكي، وتعزيز الفرص الاقتصادية، والدفاع عن القيم الديمقراطية، تصف الاستراتيجية العقد القادم «بالعقد الحاسم» مع التأكيد أنه «لا يمكن التنافس بنجاح لتشكيل النظام الدولي ما لم تكن هناك خطة إيجابية لمواجهة التحديات المشتركة»..
تقع الوثيقة المكونة في 48 صفحة.
وتركز الاستراتيجية على ثلاثة محاور:
بناء «أقوى وأوسع» تحالف من الدول لتعزيز القدرة الجماعية على مواجهة التحديات. بناء أقوى تحالف ممكن من الحلفاء لتعزيز النفوذ الأمريكي لتشكيل البيئة الاستراتيجية العالمية.
تحديث الجيش الأمريكي ـ ليكون جاهزاً لعصر المنافسة الاستراتيجية.
3 ـ تعتبر الاستراتيجية الصين المنافس الوحيد لواشنطن، والمؤثر في إعادة تشكيل النظام العالمي.
حسب استراتيجية الأمن الوطني تشكل كل من الصين وروسيا أكبر تحديين للولايات المتحدة الأمريكية وأمنها الوطني ومصالحها. وتؤكد الاستراتيجية أن الصين هي الدولة الوحيدة التي تهدد الهيمنة والدور الأمريكي على المدى البعيد، وتشكل التحدي الأكبر والحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية. لذلك على الولايات المتحدة الأمريكية تطوير قدرات القوات المسلحة والقدرة التنافسية والابتكار والديمقراطية، والعمل مع الحلفاء والشركاء لمواجهة الصين والدفاع عن المصالح الأمريكية وتحقيق رؤية المستقبل.
استراتيجية الأمن الوطني الأمريكية لا تقدم علاجاً وحلاً لأزمات الشرق الأوسط. وتخلو من تفاصيل مهمة وواضحة وحتى مبادرات للتعامل مع أزمات المنطقة
تؤكد الاستراتيجية أن «روسيا تشكل تهديدا فوريا للنظام الدولي الحر والمفتوح، وتنتهك القوانين الأساسية للنظام الدولي، كما يظهر من حربها العدوانية ضد أوكرانيا». ولا ترى انتصاراً سريعاً في حرب روسيا على أوكرانيا، وبرغم تضاؤل مكانة روسيا بالمقارنة بالصين والهند بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن حرب على أوكرانيا، تهدف الاستراتيجية التعامل مع الخطر الذي تمثله روسيا أخذاً في الاعتبار حرب روسيا المدمرة على أوكرانيا، والعمل على تقييد والتصدي للخطر الذي تمثله روسيا، الذي ارتفع وتعمق مع تصاعد واستمرار حرب روسيا المدمرة على أوكرانيا.
وتتعهد إدارة بايدن أن أمريكا ستردع وترد عند الضرورة على التصعيد الروسي إذا ما هدد المصالح الأمريكية الأساسية. وتؤكد الاستراتيجية على توسع المنافسة العالمية. وهذا ما يعرف بصراع القوى الكبرى.
تتعرض الدول والمجتمعات في عصرنا الراهن لأنواع مختلفة وغير تقليدية من التهديدات، مثل تغير المناخ، وتهديد الأمن الغذائي، وأمن الطاقة كما هو واضح من حرب روسيا على أوكرانيا، والأمراض المعدية، كجائحة كورونا، والتضخم. تلك التحديات المشتركة ليست قضايا هامشية أو ثانوية، بل ستتوسع وتشكل تهديداً مستمراً لأمن الدول والمجتمعات وللأمن على مستوى النظام العالمي على حد سواء. ويجب التعامل مع تلك التهديدات بجدية وعلى المستويين الفردي والجماعي معاً. لذلك تنبهت إدارة بايدن لتلك التهديدات وركزت في استراتيجيتها على دعم ومساعدة دول الشرق الأوسط لتتعامل مع تلك التهديدات، خاصة تهديد التغير المناخي.
لكن استراتيجية الأمن الوطني الأمريكية لا تقدم علاجاً وحلاً لأزمات الشرق الأوسط. وتخلو من تفاصيل مهمة وواضحة وحتى مبادرات للتعامل مع أزمات المنطقة. ما يؤكد كما أكرر منذ سنوات تخفيض إدارات الرؤساء الأمريكيين من إدارة أوباما وترامب وبايدن لأهمية ومكانة ودور منطقة الشرق الأوسط بما فيه منطقة الخليج العربي في الاستراتيجيات والحسابات الأمريكية في الإدارات المتعاقبة منذ حوالي عقدين من الزمن. ويبدو أن هذا النهج سيستمر في المستقبل.
تقدم استراتيجية إدارة بايدن بعض المبادئ وخريطة طريق غير فعّالة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. بما يشمل وبشكل عابر، دعم الاندماج وحماية أمن الحلفاء من التهديدات الإقليمية والخارجية ودعم قضايا حقوق الإنسان، دون استنزاف قدرات الولايات المتحدة، أو صرف اهتمامها عن أولوياتها التي ترتكز على مواجهة لصين وروسيا وتهديدات الأمن الدولي. لكن هذه اللغة الانشائية، تبدو للاستهلاك، أكثر منها لتطبيق استراتيجية وسياسة فعالة، وإقناع الحلفاء الخليجيين، خاصة بعد انسحاب بايدن العسكري المرتبك من أفغانستان والتصعيد المبالغ فيه ضد مجموعة أوبك بلس والسعودية بشكل خاص.
وكما يشير روبرت فورد آخر سفير أمريكي في سوريا في دراسته في مجلس الأطلسي «هناك الكثير من أوجه التشابه بين استراتيجية ترامب وبايدن للأمن الوطني، حيث ركزت استراتيجية ترامب على تهديدات إيران- بينما استراتيجية إدارة بايدن تحذر من أنشطة إيران المزعزعة للأمن والاستقرار. وأن أمريكا سترد على تهديدات إيران لمصالحها. وكلا الاستراتيجيتين تتعهدان بدعم ومساعدة الشركاء الإقليميين في تطوير قدرات لردع التهديدات الإيرانية. والتعاون الأمني والاقتصادي والعسكري مع الحلفاء لتحقيق الأمن الإقليمي، مع الإشارة إلى «الاتفاق الإبراهيمي» الذي تكلل باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
كما تعهدت إدارتا ترامب وبايدن بالعمل مع الحلفاء على بناء نظام دفاع صاروخي، وكذلك نظام دفاع بحري. والتعاون مع الحلفاء في مواجهة تهديدات الإرهاب. لكن أهم فارق في استراتيجية إدارة بايدن بالنسبة للشرق الأوسط، وبعكس إدارة ترامب، تؤكد استراتيجية إدارة بايدن على حل الدولتين بالنسبة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي (يبقى شعاراً) ودعم ديمومة إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية!
القدس العربي