الرياض – من المتوقع أن يصل المئات من الرؤساء التنفيذيين وقادة القطاع المالي إلى الرياض هذا الأسبوع لحضور مؤتمر استثماري ضخم أطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء”، ويقول محللون إنه سيسلط الضوء على القوة الجيوسياسية للسعودية رغم توتر علاقتها مع الولايات المتحدة.
وأطلقت “مبادرة مستقبل الاستثمار” في العام 2017 كنافذة على العالم لأكبر مصدّر للنفط في العالم، الذي يحاول تنويع اقتصاده بعيدا عن الذهب الأسود تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
لكنّ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ألقى بظلاله على نسخة العام التالي إلى حد كبير، حيث نأى العديد من المشاركين المحتملين من خارج المنطقة بأنفسهم عن المؤتمر، لكن الاهتمام بالحضور سرعان ما ازداد مجددا في نسخة 2019.
وتأتي نسخة العام الحالي في ذروة توتر بين الولايات المتحدة والمملكة على خلفية قرار تحالف أوبك+ زيادة إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، الأمر الذي عدته الإدارة الأميركية تحديا لإرادتها، حيث كانت تأمل في أن يقوم الكارتل النفطي بتأجيل القرار إلى حين مرور انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس، خشية أن يؤثر على موقف الناخبين.
ويرى مراقبون أن التوتر في العلاقات بين واشنطن والرياض لن يمنع كبار المديرين التنفيذين في وول ستريت وقادة الأعمال الأميركيين من حضور المنتدى الذي يبدأ أعماله الثلاثاء، وستسعى فيه المملكة لإبرام صفقات لتقليل اعتماد اقتصادها على النفط.
وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بأن تواجه علاقات الولايات المتحدة مع السعودية “عواقب” بعد قرار مجموعة أوبك+ لمنتجي النفط هذا الشهر خفض الإنتاج المستهدف، وهو قرار أكدت الرياض على أنه لصالح استقرار السوق.
ويرى خبراء أن التهديدات الأميركية لن يكون لها على ما يبدو أي صدى ملموس على المؤتمر الاستثماري الذي يمتد إلى الخميس المقبل، ويضم أكثر من 6 آلاف مشارك و500 متحدث، بزيادة 200 متحدث عن العدد القياسي السابق.
ويشير الخبراء إلى أن جميع الدول والمستثمرين يسعون لتوثيق علاقاتهم مع المملكة التي أظهرت الأزمة الأوكرانية أن السعودية ليست فقط قوة اقتصادية بل قوة جيوسياسية مؤثرة، وقادرة فعلا على خلط الأوراق.
وبحسب الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس كريستيان أولريتشسن “أدى تشابك الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وارتفاع أسعار النفط إلى منح السعودية مستوى أكبر من النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي هذا العام مقارنة بكل نسخة سابقة باستثناء النسخة الأولى في 2017”.
وسعى معهد “مبادرة مستقبل الاستثمار”، الجهة المنظمة للمؤتمر، لتأسيس هوية مستقلة للفاعلية تتجاوز ارتباطه الوثيق بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وتضمنت هذه الجهود إنشاء ذراع استثمارية وعقد فعاليات في أماكن مختلفة مثل لندن ونيويورك بالإضافة إلى الحدث الرئيسي في الرياض.
وفي مؤتمر صحافي للتعريف بتفاصيل المؤتمر، شدد الرئيس التنفيذي للمعهد ريتشارد آتياس على أن “مبادرة مستقبل الاستثمار” ليست مؤتمرا عن السعودية، بل هي “مؤتمر دولي يعقد في السعودية، يظهر أن المملكة أصبحت بالتأكيد مركزا عالميا”.
وأشار آتياس إلى أنّ قائمة الحضور تتضمن قادة أعمال من دول أميركا اللاتينية التي لم تكن ممثلة في السنوات الماضية، بالإضافة إلى “وفد ضخم من الصين” يضم أكثر من 80 مديرا تنفيذيا صينيا.
ويشكل الحضور الصيني الوازن مدى حرص بكين على تعميق شراكتها مع الرياض، وهذ الأمر يشكل مصدر إزعاج لدى الدوائر الرسمية الأميركية.
وأفاد آتياس، المدير التنفيذي السابق للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في مقابلة مع وكالة فرانس برس أنه لا يعتقد أن المشاركين يخشون أنّ يتسبب حضورهم في خسارة سمعتهم. وأضاف “أعتقد أننا أثبتنا حقيقة أننا هيئة مستقلة. ليس لدينا أي أجندة. نحن هنا للمساعدة”.
وتابع “أنا سعيد للغاية أنّ الكثير من قادة الأعمال يفكرون مثلي. نحن لا نتجاهل قضايا العالم. لا أحد يتجاهل ذلك. لكن مقاطعة أيّ منصة لن تمكننا من حل أيّ مشكلة في العالم”.
ورغم رغبة آتياس في إبعاد السياسة عن المؤتمر، إلا أنهما سيتداخلان على الأرجح حيث تجد السعودية نفسها في موقف حساس مع الولايات المتحدة بسبب قرار خفض إنتاج النفط الذي اتخذه كارتل أوبك+ الذي تقوده الرياض مع موسكو مطلع الشهر الحالي.
واعتبر البيت الأبيض القرار اصطفافا إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، وهو اتهام رفضه المسؤولون السعوديون بشدة، قائلين إنّ القرار جاء لدوافع “اقتصادية بحتة لا سياسية”.
ويشهد المؤتمر الاستثماري عادة مشاركة مسؤولين من الحكومة الأميركية، ولاسيما وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين في عام 2017، وحضر نسخة العام الماضي دون غريفز نائب وزير التجارة في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن.
لكن هذا العام، لم تتم دعوة المسؤولين الأميركيين، وهو أمر قال آتياس إنه يعكس مسعى أوسع للتركيز على قادة الأعمال عوضا عن السياسيين. وأشار إلى أنه من المتوقع أن يشهد المؤتمر مشاركة ما يصل إلى 400 مدير تنفيذي أميركي.
ولم ترد السفارة الأميركية في الرياض على طلبات للتعليق على المشاركة الأميركية. وقال أولريتشسن، من معهد بيكر، إنه لم يفاجأ بتمثيل القطاع الخاص الأميركي بشكل جيد على رغم التوترات الثنائية المستمرة. وأوضح “يمكنني أن أتخيل أن الرؤساء التنفيذيين سيقرّرون أنّه إذا كان بوسع بايدن نفسه الذهاب إلى السعودية بعد مقتل خاشقجي، إذن فبوسعهم فعل ذلك أيضا”.
العرب