بكثير من الزهو، تحدّث الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال استقباله الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أول من أمس في البيت الأبيض عن التزامه تجاه إسرائيل. حتى أنه ذكّر بما قاله سابقاً إنه “لو لم تكن هناك إسرائيل لكان يتعيّن علينا اختراع واحدة”.
لم يخطئ بايدن جزئياً في مقاربته عن اختراع إسرائيل، فهي مصطنعة، دولة احتلال وأبارتهايد. هذا التوصيف الذي كان سابقاً كفيلا بإثارة موجاتٍ لا متناهية من الاستنكار واستدعاء كل ما له من مصطلحات وتوصيفات معاداة السامية، تحوّل خلال السنوات الماضية إلى أمر مسلّم به، يرِد في عناوين أبرز تقارير المنظمات الحقوقية وعلى ألسنة مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم المقرّر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية، مايكل لينك، لكن من دون أن يصل إلى مسامع الإدارة الأميركية.
من الصعب أن تمرّ عبارة بايدن عن إسرائيل من دون أن تتبادر إلى الأذهان جرائم الاحتلال في الأراضي المحتلة، من مجازر غزّة إلى ما يجري في القدس المحتلة، والتغول الاستيطاني وأخيراً تطورات الضفة الغربية والحصار المفروض على نابلس. لكن ذلك كله ليس مهماً بالنسبة إلى بايدن، فسجل إسرائيل بالنسبة إليه ناصع البياض، إلى درجة أنه يعتبرها نموذجاً يجب أن يتكرّر، وإذا لم يكن موجوداً لوجب اختراعه.
عندما زار بايدن إسرائيل في 2022 رئيساً اختار أن يؤكّد أن هدفه تعزيز التزامه تجاهها مستطرداً بأنه “لا يجب أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً”، قبل أن يكرّر عبارات ممجوجة عن حل الدولتين. بدا يومها أكثر ارتياحاً في التعبير عن آرائه وإعجابه بإسرائيل مقارنة بما حصل عندما زارها في مارس/ آذار 2016 عندما كان يحتلّ نائب الرئيس، في وقت كانت العلاقات الأميركية الإسرائيلية تمرّ بحالة من التوتر في عهد باراك أوباما.
على عكس بعض التوقعات، لم يبد بايدن أي اهتمام بالانقضاض على تركة الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو اتفاقات التطبيع التي أبرمت خلال ولاية الأخير. بل على العكس، رأى فيها بايدن فرصة لا بد من البناء عليها علّه يظفر ببعض منجزاتٍ تُضاف إلى رصيده، ويمكنه استخدامها عند الحاجة. وبدا واضحاً أن مردّ ذلك لا يعود إلى محدودية قدراته أو ضعف الأوراق التي بين يديه، بل إلى رغبةٍ صارمةٍ في إرضاء إسرائيل. وحتى عندما أمعنت إسرائيل في انتهاكاتها في الأشهر الأخيرة تحديداً في القدس والضفة الغربية، لم تمارس واشنطن أي ضغوط عليها، بل جاءت التصريحات والتسريبات لتكشف عن ضغوط على السلطة الفلسطينية لـ”وقف العنف” كما أخبرنا السفير الأميركي لدى إسرائيل، توماس نيدز، متهماً إياها بأنها “لا تفعل ما يكفي” لتحقيق ذلك، في وقت رأى أنه “ليس هنا ليقترح على الجيش الإسرائيلي ما يفعله أو لا يفعله” رداً على ممارساته في الضفة.
وحتى عندما اغتال جنود الاحتلال الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة، لم توفر واشنطن جهداً لتبرئة الاحتلال من الجريمة على قاعدة أن وضع الرصاصة لا يتيح التوصل إلى “استنتاج نهائي” في ما يتعلق بمصدرها قبل أن تقرّ بأنها انطلقت من موقع إسرائيلي “من دون أن يتوفر ما يشير إلى أن ذلك تم بشكل متعمّد”، مع العلم أن مختلف التحقيقات خلصت إلى جريمة مكتملة الأركان عن سبق إصرار وتصميم لاغتيال أبو عاقلة.
لا يبدو ما قاله بايدن استثناء في ما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه إسرائيل، يكفي التوقّف عند ما تقوم به أميركا خدمة وحماية لإسرائيل في مجلس الأمن. فمن أصل أكثر من ثماني مرات استخدمت فيها حق النقض (الفيتو) خصّص أكثر من نصفها لصالح حماية إسرائيل في مواجهة العرب عموماً، والوضع الفلسطيني خصوصاً.
العربي الجديد