تبرز دعوات على الساحة الأوروبية من أجل مراجعة القارة سياسات الماضي الاستعماري مع دول جنوب المتوسط وشرقه، وفي آسيا وغيرها، خشية من عزلة الغرب في مواجهة روسيا، والصين مستقبلاً.
فبعد دخول الغزو الروسي لأوكرانيا شهره التاسع يشعر الداعون بحاجتهم لبقية دول العالم من أجل تشديد العزلة على موسكو. وإلى حين تحوّل تلك الدعوات إلى مراجعة حقيقية، ثمة ما هو ملحّ على أبواب الشتاء، لمنع تصدّع جدار “وحدة الموقف الغربي”.
إن مشاغل أغلبية الأوروبيين حقيقية حيال سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي يعتبرونها “توسعية بالقضم التدريجي”. هؤلاء أنصتوا بإمعان لآخر سرديات روسيا الإعلامية عن تخليص أوكرانيا من “الشيطانية”، بعد أن كان الهدف انتزاعها من “براثن النازية”، عبر رفع مستوى الخطاب الموجه للداخل عن “انحلال قيم الغرب”.
وبالمناسبة، إن مصداقية الدعاية الروسية عند أوروبيين كثر، على الرغم من تصويت البعض في إيطاليا والسويد لليمين المتطرف في الشهر الماضي والتحركات في الشوارع بسبب التضخم وأزمة الوقود، انهارت عملياً منذ فبراير/شباط الماضي، مع تماسك مصداقية التقارير الاستخبارية (خصوصا الأميركية) عن تحضير الكرملين لغزو أوكرانيا.
وعزز التوجس حيال روسيا استدعاء بوتين لبطرس الأكبر (قيصر روسيا بين عامي 1682 و1725)، والأمجاد القيصرية، معتبرين أن دول البلطيق (لاتفيا، إستونيا، ليتوانيا) الصغيرة، هي التالية بعد أوكرانيا.
وأول من أمس الأربعاء، أصيبت تلك الدعاية في مقتل جديد، مع إصدار الخارجية السلوفينية بياناً يؤكد أن الصور التي عرضتها خارجية موسكو عن “القنبلة القذرة” الأوكرانية هي خاصة بمواد مشعة سلوفينية.
على هامش كل ذلك يزداد كابوس “انتصار بوتين”، أو استغلاله الظروف لزعزعة وحدة الصف الغربي. وهو ما خلّفته أخيراً رسالة تكتل يسار الحزب الديمقراطي الأميركي التي تدعو الإدارة الأميركية إلى وقف الحرب والتفاوض مع بوتين.
وعلى الرغم من سحب الرسالة، وإبداء زعيمة الكتلة براميلا جايابال، أسفها على نشرها، إلا أنها أرخت بظلال الشك على ما يمكن أن تصير إليه واشنطن، إذا ما انتصر الجمهوريون في الانتخابات النصفية، واندفعوا بتأثير رغبة إعادة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض نحو سياسات مهادنة لموسكو. فمشهد التقاء أقصى اليمين واليسار الأوروبي على رفض دعم أوكرانيا ليس استثناء على المستوى الغربي العام.
ومن دون واشنطن، تحت مظلة “حلف شمال الأطلسي”، يصعب على أوروبا المحافظة على زخمها، وهي على تماس مع طموح روسيا بـ”إصلاح التاريخ”. وعليه، ربما يبدو الوضع بمثابة فرصة حقيقية لمعسكر الداعين إلى مراجعة وإصلاح سياسات الغرب خلال القرون الماضية مع “مستعمراته القديمة”، بغير العقلية الاستعمارية.
العربي الجديد