تسّلم رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، مهام عمله رسمياً من سلفه مصطفى الكاظمي، وسط دعم وتأييد سياسيٍ لا محدود، أنتجه حصول قادة الأحزاب المشاركة في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على حصّتها في التمثيل الوزاري، اعتماداً على مبدأ المحاصصة المُعتمد في توزيع «مغانم السلّطة» في العراق منذ 2003.
ولم يختلف شكل الحكومة الجديدة عن سابقاتها، كونها نتاج آلية «التوافق» التقليدية، خلافاً لما دعا إليه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، لتأليف «حكومة وطنية» مع معارضة برلمانية.
ورغم إن السوداني يتسلّم إدارة الحكومة العراقية، في وقتٍ تتمتع البلاد بوفّرة مالية انتجتها إجراءات رفع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، وأيضاً ارتفاع أسعار النفط العالمية، وهو ما حقق أموالاً تقدّر بنحو 85 مليار دولار، مودعة في خزينة الدولة، لكن تلك الأموال قد تفتح شهية «الفساد» بشكلٍ أكبر، الأمر الذي وضعه السوداني ضمن جدول أولويات حكومته.
وبالإضافة إلى مكافحة الفساد الذي ينخر جسد الدولة العراقية، تعهد السوداني بأن تكون حكومته «حكومة خدمات» تهتم بتوفير فرص للعمل وتنشيط الطبقات والشرائح الفقيرة.
وتعوّل القوى السياسية العراقية على حكومة السوداني في تهدئة الشارع وجمهورها على حدّ سواء، عقب سجال سياسي و«انسداد» استمر أكثر من عام- منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
المحلل السياسي العراقي، واثق الجابري، يقول لـ«القدس العربي» إن «القوى السياسية الآن أمام ضغط كبير من الشارع العراقي، وإن هذا الضغط يصل إلى جماهيرها التي تتوقع بأن هذه الحكومة سيكون لها انجازات على أرض الواقع، سيما بعد تسميتها بحكومة الخدمة أو حكومة الانجاز» مبيناً أن «السوداني عازم على إشرافه بشكل مباشر على الوزارات ومنع تدخل الأحزاب في عملها».
وأوضح أن «الاطار التنسيقي أعلن منح السوداني حرية اختيار كابينته بنفسه، بالاعتماد على توزيع الحقائب الوزارية على الأحزاب من خلال النقاط، وهي خطوة تحسب للإطار وتدفع بقية القوى إلى أن تحذو حذوه».
ورهن الجابري نجاح حكومة السوداني بـ«مدى تعاون القوى السياسية، في ظل الدعم غير المسبوق لجميع القوى السياسيةـ فضلا عن الدعم الإقليمي والدولي لحكومة السوداني. هناك فسحة من الأمل أمامها لكن ليس بذلك المستوى المطلوب».
وأشار إلى وجود «عراقيل كبيرة» تعترض طريق الحكومة الجديدة، من بينها «تداخل في الملفات، ووجود ملفات فساد كبيرة ربما ستكشف في المرحلة المقبلة» مشدداً على ضرورة «تغيير أدوات الوزير. الخلل ليس في هرم الوزارة فقط بل بالأدوات التي تعمل من مدراء عامين ودرجات خاصة».
ودعا المحلل السياسي العراقي، رئيس الوزراء الجديد، محمد السوداني إلى «عدم الاعتماد على التقارير التي تقدّم من قبل المسؤول، بل التعاطي معها بشكل واقعي. على رئيس الوزراء الاطلاع مباشرة على طبيعة الانجاز» لافتاً إلى وجوب «تحديد سقوف زمنية قانونية للمشاريع، مع التشديد على أهمية عدم تجاوزه تحت أيّ ذريعة».
ورأى أن «استقرار الحكومة يعكس الاستقرار السياسي. في حال نجاح حكومة السوداني فإنها ستؤسس لمرحلة جديدة في إدارة الدولة العراقية» موضحاً أن «السوداني لا يتحمل لوحده مسؤولية نجاح أو فشل حكومته، بل جميع القوى السياسية، رغم أن عليه الجزء الأكبر بكونه تصدى لهذا المشهد الصعب».
وفور تقديم السوداني المنهاج الوزاري لحكومته، ليلة الخميس الماضي، قال رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، إن عدة ملاحظات «شكلية وموضوعية» سجلت على منهاج رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
ونوه الحلبوسي، إلى «تشكيل لجنة نيابية برئاسة نائب رئيس مجلس النواب وعضوية المستشار القانوني للمجلس وعدد من المدراء العامين لدراسة المنهاج الوزاري المقدم» منوها إلى «تسجيل عدة ملاحظات شكلية وموضوعية بشأن المنهاج الوزاري، وخاصة ملفات الخدمات وما تعهدت به الحكومة من تقديم مشروعات القوانين إلى السلطة التشريعية».
وأعرب الحلبوسي، عن «تمنياته بالتوفيق لرئيس مجلس الوزراء في أداء عمله وتقديم الخدمة للشعب» لافتاً إلى ان «المنهاج الوزاري للسوداني تضمن إجراء انتخابات مجالس المحافظات في الشهر العاشر من العام المقبل 2023».
ومن بين الانتقادات الأخرى على ما تضمّنه المنهاج الوزاري لحكومة السوداني، ما حملته الجبهة التركمانية بشأن ملف محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
وفيما أكدت الكتلة التركمانية النيابية دعمها للفقرات التي تخص الإصلاح في ملف الخدمات والقضاء على الفاسدين في المنهاج الوزاري، إلا انها أبدت تحفظها على التصويت لصالح الفقرات التي تخص «المستقبل الإداري والأمني» لمحافظة كركوك.
وذكرت الكتلة في بيان: «بأزكى عبارات التهاني وخالص التبريكات تتقدم الكتلة التركمانية النيابية بالتهنئة لمحمد شياع السوداني، بمناسبة نيل حكومته ثقة مجلس النواب، كما تُبارك لثابت بشار العباسي بمناسبة توليه منصب وزير الدفاع العراقي» بكونه من المكوّن التركماني.
وأضافت أنها «تؤكد على دعمها للفقرات التي تخص الإصلاح في ملف الخدمات والقضاء على الفاسدين في المنهاج الوزاري، إلا انها أبدت تحفظها على التصويت لصالح الفقرات التي تخص المستقبل الإداري والأمني لمحافظة كركوك وباقي المناطق المختلف عليها، حيث ان هذه الفقرات الحساسة والمهمة قد تم درجها بناءً على الاتفاق بين الكتل السياسية السنية والشيعية والكردية، ولعدم وجود ممثل تركماني مفاوض في الاتفاق، فإن أي التزام قانوني لا يترتب على السيد رئيس الوزراء في تطبيقه كمنهاج».
وأشارت إلى أنها «مثلما كانت بالمقدمة المدافعين عن شعبنا إلا انها ستكون صادقةً بالاشارة لمواقف الكتل والقوى والزعامات التي دافعت لنيل حقوقنا وترسيخ وجودنا، وندعوهم إلى استمرار دعم المكون التركماني للحصول على منصب نائب رئيس الجمهورية وحقيبة وزارية ووكلاء الوزراء والهيئات المستقلة ومدراء عامون».
وختمت بالقول: «معاً لأجل عراق موحد ينال فيه التركمان استحقاقهم، لن نتخلى عن أرضنا وسنبقى بشرف أصحاب مبادئ ومواقف لأمن العراق وسلامة شعبه».
القدس العربي